معركة الصورة.. بين المقاومة والاحتلال
عندما تكون الحقيقة عدوك الأول، يصبح إسكاتها هدفك المقصود، هكذا يمارس الاحتلال الإسرائيلى الغاشم عدوانه على ناقلى حقيقة إجرامه من الصحفيين والإعلاميين العرب والأجانب فى غزة، حيث اغتالت أسلحته أكثر من 100 صحفى منذ بدء عملية طوفان الأقصى حتى الآن، وكما فشل سياسياً وعسكرياً، فشل أيضاً فى معركة الصورة، رغم ما لديه من إمكانيات تقنية هائلة ووسائل إعلام عالمية تتلقف ما يروّجه، وتبيع بضاعته المزجاة.
كانت الصورة الذهنية المأخوذة عن المقاومة الفلسطينية أكثر قتامة على الصعيد العالمى، حيث استندت إلى سردية زائفة ردّدها الرئيس الأمريكى جو بايدن بعد زلزال طوفان الأقصى 7 أكتوبر الماضى، حينما زعم أن المقاومة تقطع رؤوس الأطفال، وروّج الاحتلال لصورة أكثر زيفاً لطفل محروق، ثم تراجع البيت الأبيض عن كلام من يقطنه بأنه ليست لديه أدلة لمزاعمه، وذلك بالتزامن مع تأكيد وسائل إعلام عالمية بأن الصورة التى يروج لها الاحتلال ليست لطفل محروق.
رويداً رويداً بدأت دفة معركة الصورة تميل نحو المقاومة، وتحديداً عبر فيديوهات العناية بالمحتجزين الصهاينة لديها، ثم ما يؤكده المحتجزون بعد تحريرهم من حُسن العناية بهم، بل وبحيواناتهم، والشواهد والمشاهد التى عُرضت كثيرة فى هذا السياق، فهذه تقول «كنا نأكل مما يأكلون منه»، وتلك تخرج سعيدة بعد تحريرها وفى يدها كلبها، وثالثة تداعب أحد المقاومين وتعده بتحضير الطعام الذى يحبونه حينما يأتون مرة أخرى، وهنا وقفة مهمة لها أكثر من وجه، الأول أن المقاومة لديها النية لتكرار ما حدث فى 7 أكتوبر، أما الوجه الثانى فيحمل ملمحاً من ملامح النصر فى معركة الصورة وداخل نفوس الصهاينة أنفسهم، وهو الترحيب بعناصر المقاومة، لدرجة أن الإسرائيليين المحرّرين سيعدّون لهم الطعام الذى يحبونه، بينما يكمن الوجه الثالث فى حالة الألفة بين المقاومة والمحتجزين، ولهذه الألفة ما بعدها من ثمار سيحين وقت قطافها آجلاً.
وفى وسط كل هذا الخزى والفشل للكيان، حاول الاحتلال عبثاً إلقاء حجر فى مياه خيبته الراكدة، حينما بث فيديو لاقتحام أحد الأنفاق شمال قطاع غزة بطول 4كم، لكن كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس ردّت على هذا الفيديو الكوميدى بفيديو صامت يحتوى على كلمتين بالعبرية «المهمة أُنجزت» فى صفعة جديدة مدوية على وجه الماكينة الإعلامية للكيان الصهيونى.
انتصرت المقاومة فى معركة الصورة على 3 أصعدة داخل الكيان المزعوم، فعلى المستوى العام خرجت أصوات إعلامية تطالب بوقف العدوان على غزة، لأن ما يحدث هو مزيد من قتل المدنيين الأبرياء دون تحقيق نصر عسكرى على الأرض، وعلى مستوى أهالى المحتجزين، فهذه المظاهرات التى خرجت تترى أمام مقر إقامة كبار مسئولى الاحتلال، لاسيما بعدما أعلن عن قتل عدد من المحتجزين بنيران إسرائيلية فى أكثر من واقعة، الأمر الذى جعلهم يردّدون «ستعيدون ذوينا قتلى»، أما المستوى الثالث فهو المحتجزون المحررون أنفسهم، الذين تحولوا لأدوات دعائية لحماس بذراعها العسكرية «القسام» والجهاد بذراعها العسكرية «سرايا القدس».
وإذا اتسعت عدسة الرؤية خارج فلسطين المحتلة، سنجد أن ملامح النصر فى معركة الصورة كانت لفلسطين وقضيتها، وأدلة ذلك من جنس طبيعة المعركة، وهى صور المظاهرات الحاشدة التى خرجت فى عواصم أعتى الدول التى تدعم أنظمتها الكيان الصهيونى الغاصب، خاصة فى لندن وواشنطن وبرلين وغيرها.
أخيراً فإن غزة آخر ما تحتاجه هو الكلام، فهى تحارب وحدها بأطفالها ونسائها قبل شبابها ومقاومتها، يحتاج هذا القطاع صرخة ضمير لكل حر فى العالم بأن يتدخل لوقف آلة القتل الصهيونية الهمجية فى حق أصحاب الأرض، الفئة الوحيدة التى تعانى ويلات الاحتلال فى العالم حالياً، وسط صمت وتواطؤ وتخاذل إلا القليل الذين يحاولون بذل ما فى وسعهم لنُصرة الأشقاء ولو بالكلمة.