أحزاب كفتة
أجمل ما فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التى شهدها العالم كله، وكأنها فرح كبير بحضور ما يقرب من 45 مليون مصرى، أن أحداً لم يلتفت -وربما لم يسمع- إلى الدعوة لمقاطعة هذه الانتخابات.
الدعوة ولدت ميتة لأنها خرجت من أموات، أطلقتها قوى الشر والإرهاب من الخارج لجس نبض الشارع المصرى، ومنها إلى القبر مباشرة، ووقعت فى الفخ بضعة أحزاب قليلة، اعتقدت فى نفسها أنها «كتلة سياسية» مؤثرة، وحاولت إحياء الدعوة على أمل دعمها من «الخارج» الذى أطلقها.
لا أعرف تماماً ما هو حال تلك الأحزاب الآن، وحال قياداتها، بعدما عزلوا أنفسهم بإرادتهم عن الشعب المصرى كله، الذى شارك فى الانتخابات بأعلى نسبة تصويت (66.8%) من مجموع الناخبين، سعوا لمكايدة النظام الحاكم، وارتدت المكايدة إلى صدورهم، وانكشف ظهرهم، وعرف القاصى فى الخارج، والدانى فى الداخل حجمهم الحقيقى الذى لا يكاد يراه المرء بالعين المجردة، لولا جلبة هنا أو صرخة هناك.
خرج هؤلاء عن الاصطفاف الوطنى، الذى استدعته المخاطر التى تحيط بمصر، ولم يكن المطلوب منهم كمعارضين -أو مكايدين- التصويت للرئيس السيسى، وإنما المشاركة فقط، ليعرف العالم كله أن وحدتنا هى حائط الصد الأقوى والأهم ضد أى مؤامرات، والسيسى نفسه دعا كل المصريين إلى المشاركة فى المشهد الديمقراطى، ليختاروا بضميرهم الوطنى المتجرد من يصلح، ولو أنصفوا لتعاملوا مع هذا الاستحقاق الانتخابى، وما يصاحبه من زخم جماهيرى وسياسى، باعتباره ورشة تدريب كبرى لأعضاء أحزابهم -مهما قل عددهم- لكنه الغرور أو العجز أو كلاهما تحكم.
سبق لهؤلاء أن دعوا لمقاطعة الانتخابات الرئاسية عام 2014، ورفعوا شعار «خليك فى البيت»، وبلغت نسبة المشاركة فيها 41%، وداعب خيالهم أن تؤتى الدعوة «أُكلها» هذه المرة، وتنخفض نسبة المشاركة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الراهنة، وما يواجهه المواطن من صعوبات لتدبير أحواله المعيشية.
الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية 2024 لم تكن فى مكانها، وموتها فى مهدها كان متوقعاً، ولم يكن الظرف الموضوعى المرتبط بالأمن القومى للبلاد مهيأ لاستقبالها، والظرف الذاتى لمن أطلقوها فى أضعف صوره، وفاتهم أن من يصنعون تاريخهم بأيديهم لا يصنعونه فى ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، بل فى ظل ظروف قائمة بالفعل.
تذكرت الرجل «الغتت» ضعيف البنية فى مسرحية «الهمجى» الذى كان يتحدى «آدم» أو الفنان الكبير محمد صبحى، بكلمة «متقدرش».قام بدور «الغتت» الفنان «المغمور» الراحل حسن عبدالسلام وشهرته فى الوسط الفنى «حسن كفتة».
بعض الأحزاب تمارس دورها الآن بطريقة «حسن كفتة» الذى أضحك الناس بكلمة «متقدرش»، التى لا يتفق مضمونها مع بنيانه الجسمانى، والتطور السياسى والديمقراطى المأمول لن يستوعب أحزاب «كفتة»، مهما حاول النظام تطوير أدائها أو حتى استيعابها.فى «الهمجى».. «آدم» احتضن «كفتة»، وسألته حورية زوجته: آدم انت بتعمل إيه؟، ورد: يمكن يتخمد يا حورية.