رضا عبدالعال ينتصر على السير أليكس فيرجسون
27 عاماً قضاها السير أليكس فيرجسون مع مانشستر يونايتد، قبلها تجارب تدرجت فى قيمتها، أكملت جميعاً أربعة عقود، بدأها براتب ستة جنيهات إسترلينية، وأنهاها بستة ملايين، حينما قرر التقاعد عام 2013، لم يكن رجلاً عادياً، كان فيلسوفاً ينحت مساحات وطرقاً لاستمرار الحياة، فحين يبدأ طريقه المهنى بدخل متواضع يقرر الاستثمار فى الحانات، يتعلم من الزبائن «تفهم الإحباط»، ومن الحانة، إدارة العواطف، وتوقيت الاستثمار الملائم، ما أهله لـ«تجارة كرة القدم»، فيبيع كريستيانو رونالدو بثمانين مليون يورو لريال مدريد، وهو الذى بدأ رحلته بلاعبين لا يتعدى أجرهم الأسبوعى خمسة جنيهات.
عائلة فيرجسون اشتهرت فى أسكتلندا بشعار قديم، يقول إنهم دائماً «أكثر سعادة بعد المصائب»، فى كرة القدم يتحول الشعار العائلى إلى «براعة التعافى»، بعد كل هزيمة كان مانشستر يونايتد يفوز بسبع مباريات على الأقل، بأهداف عديدة، حولها الرجل لقاعدة «حتمية» يؤمن بها اللاعبون، فيبقى الفريق متماسكاً لأطول فترة، ما يؤهلة لنيل المسابقات ذات النفس الطويل.. تحولت القاعدة إلى درس عالمى: إذا كنت تريد فريقاً كبيراً امنعه من الانهيار مهما كانت النتائج.
تمتع الرجل بمهارات إدارية واضحة، قادر على اتخاذ القرار بسرعة وحزم، فالمدرب غير المبتسم الذى كرر طويلاً أنه لا وقت لديه للابتسام بل للفوز، فاجأ لاعباً فى «سينت ميرين» عام 1974 بعد ساعات من الانضمام للفريق: «لن تجد لك مكاناً هنا» كان الجرم أن اللاعب أشار بعلامة النصر فى صورة فوتوغرافية تموضع فيها خلف المدرب، على الفور اعتبر التصرف غير ناضج، وأن صاحبه غير جدير بقيادة فريق أمامه عمل شاق.
هو إذاً صاحب فلسفة، مطلع على الجديد، مستثمر ومغامر، قادر على الإدارة، هو رحيق رحلة أربعة عقود من التأمل والتعلم والخبرة، لكنه إذا خرج يتحدث عن فلسفة التعافى، أو طريقة «شجرة الكريسماس». هل سيجد من ينصت له؟ أو يحقق «الريتش»؟
بعيداً عن المستطيل الأخضر كيف يكسب المشاهد المتعجل الغاضب.. التعِب من الأفكار المركبة والفلسفات؟
فى السياسة كما فى الرياضة، هذا «زمن الشعبويين»، من يكرهون النخب، وينكرون المعرفة الخبيرة، ويعادون المؤسسات، ويبسطون المعقد، ويشخصنون القضايا، ويتحدثون باسم الشعب، فمثلما كره أتباع ترامب نخب واشنطن، وخبراءها الاقتصاديين، يقول رضا عبدالعال إن «كولر وفيتوريا وفيريرا» يسرقون أموال الناس، ويبيعون الوهم، ومثلما يعيش فيلدرز الهولندى على ثنائية (المسلمين المهاجرين الغزاة/ أصحاب البلد المسلوبين) يعيش أمثال رضا على ثنائية (مجالس الإدارات المستفيدين/ الجمهور الضحية).
ربما تندهش إذا عرفت أن الكابتن رضا يملك نصف عمر رحلة فيرجسون التدريبية، درب لعشرين عاماً، بدأت بنادى بهتيم وانتهت بطنطا، دون إنجاز حقيقى.
فى عروضه التليفزيونية يعتبر الخبراء سطوا على فرصه، وينالون ما لا يستحقون، لكن الحقيقة أن فرص هؤلاء حولوها إلى إنجاز، ومن ثم حصلوا على ثمن الإنجاز فرصاً جديدة بأسعار أعلى.
الشعبويون لا يبحثون عن إنجاز بل عن هدم صاحبه. يقول «بنيامين موفيت» فى كتابه الصعود العالمى للشعبوية إن وسائل التواصل الاجتماعى ساعدت هؤلاء على عبور الحدود الجغرافية، والتوجه للجمهور بلا فلترة، والتفاعل السريع.
يقدم هؤلاء خطاباً كارهاً للإعلام، يعتبرونه أداة من أدوات الخبراء للضحك على الشعوب، بالأرقام والفلسفة، لكن فى المقابل لا يترك الشعبويون «الحديدة أبداً» . يحلو للشعبويين «مسرحة العروض».. هل تتذكر كم مرة اشتبك رضا عبدالعال مع زملائه، وكم علا صوته.. وكم انسحب شركاء الفرجة ثم عادوا؟
لا يوقف العروض الوقوع فى فخ التناقض، فالشعبوى قادر على تلوين حديثه.. يلعب على ذاكرة السمك والجمهور الذى يفتقد التفكير النقدى، أو تنعدم فرصه فى المراجعة وسط صخب الفرجة ونشوة الدراما.
صديق الجمهور الذى يستثمر فى «الحرافيش»، يضاعف الأشباح أمام أعينهم ثم يقتلها فى عرض سريع... ومع مشهد النهاية نرى أن لا مكان للسير فيرجسون هنا.