مبدأ حظر التمييز في الإغاثة.. صفحة مضيئة للسياسة الخارجية المصرية
- أعياد الميلاد
- بأعياد الكريسماس
- بيت لحم
- رأس السنة
- ريتشارد الحاج
- لأول مرة
- موسيقى الكريسماس
- أعياد الميلاد
- بأعياد الكريسماس
- بيت لحم
- رأس السنة
- ريتشارد الحاج
- لأول مرة
- موسيقى الكريسماس
في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر 2023م، ووسط الأزمة الإنسانية التي شهدها قطاع غزة على إثر عملية طوفان الأقصى وما استتبعها من هجوم إسرائيلي غاشم على القطاع الساحلي، ذكر مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تعمل مع مصر وإسرائيل وقطر لفتح معبر رفح من غزة إلى مصر.
وترتيباً على ذلك، قامت وزارة الخارجية الأميركية بتشجيع رعاياها الموجودين في قطاع غزة على التحرك جنوباً نحو معبر رفح مع مصر، ليكونوا مستعدين لمغادرة القطاع حال إعادة فتح المعبر الحدودي المحتملة، وفقاً لتقدير الوزارة. ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية القول: «أبلغنا المواطنين الأميركيين في غزة الذين نتواصل معهم أنه إذا رأوا أن الوضع آمن، فقد يرغبون في الاقتراب من معبر رفح الحدودي». وأضاف المتحدث: «قد يأتي الإخطار قبل وقت قصير جدا إذا فُتح المعبر وقد يفتح فقط لمدة محدودة».
ولكن، وفي يوم السبت الموافق الرابع عشر من شهر أكتوبر 2023م، رفضت الحكومة المصرية مرور حملة الجنسية الأمريكية وغيرهم من رعايا الدول الأجنبية عبر معبر رفح، إلا في إطار اتفاق أشمل، يخفف من وطأة المعاناة الإنسانية في قطاع غزة مع دخول الحرب يومها الثامن. وبذلك، فإن مصر ربطت بين السماح بمرور الذين يحملون الجنسية الأميركية إلى أراضيها وبين التوصل إلى اتفاق يشمل إدخال المساعدات إلى غزة.
ونتيجة لذلك، فإن عدداً من حملة الجنسية الأميركية، ومعظمهم من الفلسطينيين، الذين كانوا قد وصلوا إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، حيث انتظروا هناك عدة ساعات، قد عادوا أدراجهم مع تعذر دخولهم إلى المعبر.
وبناء على ذلك، وبعد مرور أسبوعين على شن الهجمات الإسرائيلية الوحشية على القطاع، وانصياعاً للشرط الذي وضعته الحكومة المصرية، وفي الحادي والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، بدأ خروج الأجانب والفلسطينيين مزدوجي الجنسية من قطاع غزة عبر معبر رفح، وذلك بالتزامن مع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وهكذا، يبدو جلياً أن إرادة الحكومة المصرية قد اتجهت بشكل واضح وصريح إلى أن يكون السماح بخروج رعايا الدول الأجنبية مرهوناً بدخول المساعدات الإغاثية، حرصاً منها على تطبيق مبدأ المساواة وحظر التمييز في أعمال الإغاثة، وأن تمتد الجهود الإغاثية إلى جميع المدنيين من سكان القطاع، سواء اتخذت الجهود الإغاثية شكل الإجلاء بالنسبة للأجانب أو شكل السماح بدخول المساعدات الإنسانية بالنسبة لسكان القطاع المحاصرين فيه.
وحسناً، فعلت الحكومة المصرية بهذا الربط بين الأمرين، والإصرار على تنفيذه، وذلك على الرغم من قيام بعض المواطنين المصريين بنشر مناشدات متكررة – عبر وسائل التواصل الاجتماعي – إلى السلطات المصرية، بمساعدتهم أو مساعدة ذويهم على الخروج من غزة.
ولا نغالي إذا قلنا إن حظر التمييز في الإغاثة هو أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن المؤتمر العالمي الثالث المناهض للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب والتعصب المتعلق بذلك قد انعقد في جنوب أفريقيا في بداية الألفية الثالثة، وعلى وجه التحديد في خريف العام 2001م.
وحسبما ورد على الموقع الالكتروني للجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد شاركت اللجنة بشكل فعال في الإعداد لهذا المؤتمر، وذلك بقصد تذكير الحكومات والأطراف الأخرى بأن عدم التمييز العنصري ليس مبدأً مرشداً لقانون حقوق الإنسان فحسب، بل إنه أيضاً قاعدة أساسية من قواعد القانون الدولي الإنساني.
ومنظوراً للأمور على هذا النحو، يبدو سائغاً القول إن العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب والتعصب المتعلق بذلك ليست مجرد مشاكل يتعين على كل دولة، ومعها المجتمع الدولي، بحثها وعلاجها في وقت السلم فقط، وإنما يجب أيضاً أن تنال القدر ذاته من الاهتمام في أوقات النزاع المسلح. وقد أوضحت عدة نزاعات مسلحة متواصلة، نشبت في العقود الأخيرة في أنحاء متفرقة من العالم، أن عدم المساواة أو إقصاء الشعوب والمجموعات والأفراد هو من أهم أسباب النزاع، وقد يكون كذلك من أبرز النتائج المترتبة عليه.
ورغم أهمية موقف الحكومة المصرية في رفض مرور حملة الجنسية الأمريكية وغيرهم من رعايا الدول الأجنبية عبر معبر رفح، إلا في إطار اتفاق أشمل، يخفف من وطأة المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، فإن هذا الموقف لم يجد ما يستحقه من الاهتمام الواجب، ولم يحظ بالعناية اللازمة من جانب وسائل الإعلام والشعوب العربية والإسلامية، وبحيث تاه في خضم الأحداث المتسارعة والمتلاحقة والمتعاظمة.
وربما يعكس ذلك إحدى آفات الثقافة العامة في بلادنا، والتي تلقى فيها المواقف السلبية اهتماماً أكبر بكثير من المواقف الإيجابية، وذلك على الرغم من أن ثقافة الحرب تقتضي التكاتف والتعاضد وتعظيم المواقف الإيجابية والإشادة بها، والتغاضي مؤقتاً عن المواقف السلبية، ريثما تضع الحرب أوزارها، وتحين لحظة الحساب والحقيقة. ومن هنا، تأتي أهمية هذه الدراسة، والتي تلفت الانتباه إلى أحد المواقف الحكومية العربية التي تستحق الإشادة والتنويه، وصولاً إلى وضعها في ذاكرة الشعوب العربية والإسلامية والاستفادة منها والاقتداء بها في أي حرب قادمة.
فكما يقول الأديب المصري الكبير، نجيب محفوظ، «آفة حارتنا النسيان».