إسرائيل.. قاتلة الصحفيين

إسرائيل لم ترحم أحداً، تدمّر كل شىء فى غزة، وتعيث فى الأرض فساداً، قتلت ما يقارب 20 ألفاً وجرحت ما يقارب 50 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال، وهدمت معظم مبانى غزة.

وصدق المفكر المصرى المرموق د. مصطفى الفقى حينما وصف الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين بأنه «أسوأ احتلال فى التاريخ»، فإسرائيل لم ترحم طفلاً ولا امرأة ولا مريضاً ولا عجوزاً إلا وقتلته أو جرحته أو دمّرت بيته، لم ترحم طبيباً أو عربة إسعاف أو مستشفى إلا وخربته ودمرته، واعتقلت أو قتلت وجرحت طواقمه الطبية.

إسرائيل تعادى المستشفيات وتحاصرها وتمنع عنها كل العناصر التى تعينها على أداء رسالتها، هى تكره طائفة الأطباء لأنها تنقذ الجرحى، لم تترك مدرسة من مدارس «الأونروا» التى يلجأ إليها السكان إلا قصفتها، لم تترك بنية أساسية إلا وهدمتها وجرّفتها، دمّرت خزانات المياه، والمخابز ليجوع أهل غزة، دمّرت محولات الكهرباء، وشرائح الطاقة الشمسية، تجرّف الزراعات ومواسير الصرف الصحى، تزرع الموت والخوف فى كل مكان، تدمّر الحياة والأحياء، وصدق القرآن وهو يصفهم بقوله «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً».

ولكن أكبر طائفتين من المدنيين تكرههما إسرائيل هما الطبيب والصحفى الفلسطينى، فكم الاستهدافات لهاتين الطائفتين خطير، هم يريدون لجرحى غزة أن يموتوا جميعاً، وقبلهم الأطباء وطواقمهم وعربات الإسعاف، ويكرهون الصحفيين، ويستهدفونهم وأسرهم يومياً ليُسكتوا صوت الحق والحقيقة، حتى وصلنا إلى الرقم 90 فى قائمة الشهداء الصحفيين.

90 صحفياً شهيداً فى 70 يوماً، لم تترك بيتاً من بيوت الصحفيين إلا دكّته فوق رؤوس أهله، قتلت أسرة الإعلامى البارز وائل الدحدوح وقتلت 14 فرداً من عائلته، منهم زوجته وابنه الصحفى الذى كان يتأهل لكى يكون صحفياً لامعاً باللغة الإنجليزية، وابنته وحفيده «آدم»، أى أن الطائرات الإسرائيلية شطبت معظم أسرته من السجل المدنى الفلسطينى.

وائل الدحدوح فضح البغى والظلم الإسرائيلى، فكان هذا جزاؤه، ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل حاولت قتله، ولكنه نجا من موت محقّق.

كما قصفت عمداً منزل أسرة الصحفى مؤمن الشراقى واستُشهد 22 من أفراد أسرته، حيث قتل معظم أشقائه وأولادهم وزوجاتهم وكلهم من النوابغ.

كما قصفت منزل الصحفى أنس الشريف، وقتلت والدته التى لم يجدوا لها سيارة إسعاف تنقلها، فحملوا جثمانها على عربة كارو حتى دفنوها.

أما أشهر مصورى «الجزيرة» الصحفى سامر أبودقة، فقد قصده الجيش الإسرائيلى بقذيفة وتركه ينزف عدة ساعات رغم الاستغاثات المتعدّدة حتى استُشهد.

أما الصحفى أسعد سلمخ فقد استُشهد مع تسعة من أفراد أسرته فى غارة جوية جنوبى القطاع، كما استُشهد محمد صبح، وسعيد الطويل، وهو الذى كانت غزة كلها تنتظر أخباره التى يسردها بلغة عامية جميلة، وهشام النواجحة الذى نعاه والده معزّياً نفسه، قائلاً «نم يا بابا قرير العين، فكم سهرت من أجل شعبك وتوصيل رسالتك، فجاء يا حبيبى وقت استراحتك».

أما الصحفى حسام مبارك، فقد نعاه زملاؤه «ما عرفناه إلا صاحب قلب طيب خدوم لمن طلبه، أنيس لمن جالسه، يكفيه هذه الخاتمة والملتقى الجنة».

ولم يكتفِ الإسرائيليون بقتل الصحفيين الرجال، بل قتلوا الصحفيات أيضاً فقد قتلوا الصحفية «سلام ميمة»، التى انتشلوها من تحت الأنقاض بعد 3 أيام، ومعها زوجها وأولادها الثلاثة، وكانت آخر كلماتها على صفحتها معلقة على صورة أولادها الثلاثة «هم السند والسكن والمسكن والسكينة ولذة الحياة، اللهم إنهم قطعة من روحى فيا رب احفظهم لى بعينك التى لا تنام»، لا تقلقى سيدتى فهم سيأخذون بيديك إلى الجنة، وهم سندك وشفعاؤك فى الجنة.

ومن الصحفيات أيضاً دعاء شرف فى إذاعة الأقصى، ووصفها زملاؤها بأنها صاحبة الابتسامة الحلوة والأخلاق العالية واللقاء الحلو، وكذلك سلوى مخيمر، التى جاءت من الأردن لزيارة أسرتها قبل العدوان واستُشهدت هناك.

أما عبدالهادى حبيب، الصحفى فى وكالة «الأونروا»، فقد استُشهد مع عدد من أفراد أسرته، أما محمد بعلوشة، المدير الإدارى بقناة «فلسطين اليوم»، فاستُشهد مع أسرته، وقبل استشهاده وضع صورته وهو يناقش الماجستير وكتب «عاشت الذكرى».

واستُشهد كذلك المخرج سيمح الفادى، مدير قناة الأقصى، أما الصحفى محمد على، فنعاه زملاؤه «كان سنداً لكل زميل، لم يختلف مع أحد يوماً، كان مثالاً للزميل المحب المحبوب».

أما «إياد مطر» فقُتل مع والدته فى غارة إسرائيلية، وعماد الوحيدى مع عدد من أفراد أسرته، وماجد كشكو مدير تليفزيون فلسطين، ونظمى النديم، وياسر أبوناوس.

فى شهرين اثنين قتلت إسرائيل ما يفوق قتلى الصحفيين عالمياً فى 6 سنوات، إسرائيل تستهدف أى صوت حر فى كل مكان.

كان الصحفى يبحث عن الخبر، فإذا به يتحول إلى خبر، وبدلاً من بحثه عن صورة يتحول نفسه إلى صورة فى الأخبار.

كل صحفى فى غزة كان يسأل نفسه، من يُستشهد منا غداً؟ من عليه الدور غداً فى المجزرة الإسرائيلية التى لا قتيل لها؟

سلام على الشهداء من كل الطوائف الفلسطينية، ومن الأطباء والصحفيين.