قفزة تجديد الثقة في السيسي (1)
وهكذا أكد المصريون أن شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى بينهم تعدت الحدود الآمنة، وصولاً إلى ما يشبه الإجماع على ضرورة استمراره لاستكمال مهمة إعادة بناء الدولة.
لم يكتف الشعب المصرى بمجرد التصويت للسيسى بالأعداد المطلوبة لضمان نجاحه، لكنهم تعمدوا بمشاركتهم غير المسبوقة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة توصيل الرسالة للعالم كله بكامل مضمونها، أن السيسى فى حماية شعبه، وأن هذا الشعب لا يستسلم أمام أى تحديات، وما زال قادراً على التصدى للمؤامرات التى تستهدف الدولة الوطنية المصرية.
منذ أكثر من عشر سنوات، عقب نجاح ثورة 30 يونيو، ومحاولات تحريض المصريين ضد السيسى مستمرة دون توقف ولو ليوم واحد، وغباء المتربصين بمصر أوقعهم فى شر تقديراتهم، وتصوروا أن الشعب المصرى سيفعلها مرة أخرى بالثورة لحسابهم.
لمحوا شذرات من غضب المصريين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، واعتبروها فرصتهم لتفجير الغضب، وفاتهم أن الثابت فى المعادلة المصرية الآن هو الثقة اللامتناهية فى وطنية السيسى، والأغلبية الكاسحة من الشعب -الذى تخطى تعداده مائة مليون نفس- لا يساورها أدنى شك فى إخلاصه وحسن نواياه، فاتهم تقدير مدى تحمل المصريين -فى كل الأحوال وفى أصعب الظروف- لأعباء المرحلة الانتقالية بكل تبعاتها، وأن حاجتهم للأمن والأمان أكبر بكثير من احتياجاتهم المادية.
قالها السيسى ذات مرة: «أنا مش قلقان عليكم.. حجم الوعى عندكم بقى كبير قوى»، جملة قد تبدو عابرة، لكنها كاشفة عن كلمة السر التى حكمت علاقة الرئيس بالشعب.. إنه الوعى الذى راهن عليه السيسى من اللحظة الأولى كرئيس للدولة.
الوعى هو العمود الفقرى وراء تماسك المصريين الآن، بعد سقوطهم فى فخ «الربيع العربى»، وصدمتهم فى حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وهو روح العلاقة التى عبر عنها ختام مشهد الانتخابات الرئاسية بالقفزة الشعبية لتجديد الثقة فى السيسى.
خروج عشرات الملايين هذه المرة أكد حقيقة أن «السيسى» فى عيون المصريين ليس مجرد رئيس للجمهورية، لكنه قائد الجيش البطل الذى انحاز لإرادة الملايين، واستجاب لمطلبهم بضرورة الخلاص من حكم «المرشد»، وكان يمكنه أن يؤثر السلامة، ولا يغامر بمنصبه كوزير للدفاع، ولم يقف أمام المصير الذى كان ينتظره هو وأولاده وأحفاده ونسله لعشرات السنين لو لم تنجح الثورة.
خرج المصريون لإعادة تكليف السيسى بإنجاز ما وعدهم به، وأن ينتقل بالبلاد إلى الصورة المغايرة تماماً لتلك التى تولى زمامها، كلفوه وهو فى يقينهم ليس فاسداً، كما أنه -وهذا هو الأهم- ليس مُفسداً.
فى مقدمة برنامجه الانتخابى عند ترشّحه للرئاسة عام ٢٠١٤، أشار «السيسى» إلى أنه كان من الممكن أن يضع رؤية للفترة الرئاسية الأولى فقط، لكن إدراكاً منه لحجم التحديات الناتجة عن انعدام التخطيط وترحيل التصدى للمشكلات، فرض عليه أن يضع رؤية (بعيدة المدى) تؤسس لمصر العصرية.
فى تقديرى أن تلك الرؤية اعتمدت على معرفة «السيسى» بعمق مشكلات الدولة، وذلك بحكم المواقع التى شغلها قبل توليه الرئاسة، وعلى فهمه طبيعة الشخصية المصرية، ومدى قدرتها على تحمل الصعاب.. وبقدرة فائقة على بذل الجهد، وصبر مدعوم بنظرة مستقبلية تتجاوز ظروف المرحلة الانتقالية، انطلق السيسى ووراءه الشعب المصرى.
وللحديث بقية.