حتى الحرب لها قواعد يا «نتنياهو»

بلال الدوي

بلال الدوي

كاتب صحفي

.. مخطئ من يعتقد -أو يظن- أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يدرك معايير الحرب وأُسسها، فالحرب -رغم وحشيتها وهوانها ودمارها وخرابها وضحاياها- لها «قواعد» و«أصول»، فاحترام المدنيين وتجنُّب تعرُّضهم للخطر وحمايتهم جزء لا يتجزأ من قواعد الحرب وأصولها يا «نتنياهو»، وهذه القواعد والأصول تقول (لابد من توصيل المساعدات للمدنيين بلا قيود أو شروط، وضرورة تخفيف المعاناة عن الأطفال وكبار السن لا قصفهم بالطائرات فى الظلام، ولا بد من حماية المستشفيات والمدارس لا قصفها بالصواريخ يا «نتنياهو»، لا بد من احترام المنشآت الدولية وعدم قذفها وتدميرها، ومنها مبانى الأمم المتحدة، وهذه المبانى تؤوى (٧٠٠) ألف فلسطينى معدم بسبب انقطاع الكهرباء والمياه وعدم توفر الوقود والدواء والغذاء).

لا بد أن يدرك «قادة إسرائيل» أنهم ليسوا فوق القانون الدولى وأنهم سيحاكمون محاكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وسيأتى الوقت وسيقولون: نحن نادمون على ما اقترفنا من جرائم تجاه الشعب الفلسطينى.. وإذا لم يدركوا ولم يُحاكَموا فعليهم أن يتعظوا ويعلموا أن التاريخ يسجل هذه الجرائم فى أسود صفحاته لأن التاريخ لا يرحم القتَلة، وعلى «قادة إسرائيل» أن يدركوا -أيضاً- أن السلام القائم على العدل هو خير سبيل لتحقيق الأمن لكلا الطرفين، ولا بد من حل الدولتين، ولا بد من عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ولا بد من دولة فلسطينية على حدود ما قبل (٥) يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وعليهم أن يدركوا -أيضاً- أن الاستقرار الإقليمى بعيد المنال إذا لم تتم تسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بشكل عادل بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة المتفق عليها بشأن حل الدولتين، ولا مفر من ذلك مهما طال الزمن ومهما كثر الشهداء ومهما توسَّع المحتل فى طغيانه واستيلائه على الأراضى الفلسطينية.

وعلى «قادة إسرائيل» أن يدركوا -أيضاً- أنهم قذفوا غزة من قبل عدة مرات فى أعوام (٢٠٠٨ و٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠٢١ و٢٠٢٢)، ورغم ذلك ظلت راية فلسطين مرفوعة مهما دمروا ومهما خرّبوا ومهما عانى الشعب الفلسطينى، فالأرض أرضهم، ونحن نقف معهم وندعمهم وندافع عنهم ونتبنى قضيتهم ونؤمن بأن خيرًا لهم أن يبقوا فى أرضهم ويناضلوا من أجلها حتى لا يتم تصفيه قضيتهم.

يقف العالم -بمؤسساته الدولية ومنظماته الحقوقية- عاجزاً أمام حالة التهور التى أصابت المحتل الغاشم وتماديه اللامعقول وارتكابه مجازر شنعاء فى قطاع غزة، والتى أقل ما يمكن وصفها به أنها «جرائم حرب مكتملة الأركان»، انكشفت الدول العظمى -وتابعوها- الذين صدّعونا بالمبادئ وظلوا لسنوات طويلة يحتالون علينا وينصبون علينا ويتدخلون فى شئوننا الداخلية تحت ذريعة (مراعاة حقوق الإنسان)، فقد تأكدنا من أنهم لا يعترفون بحقوق الإنسان ولا يدافعون عن حقوق الإنسان، بل إنهم يدافعون عن مصالحهم فقط، حتى لو تعارض ذلك مع مبادئ حقوق الإنسان، تناسوا المبادئ وأصبحت مصالحهم هى الهَمّ الأكبر، وأصبح «أمن إسرائيل» هو الهدف الأسمى لهم، ويسعون لإرضاء إسرائيل مهما داسوا على المبادئ ومهما كان الحق بيّنًا، ومهما كانت الشرعية الدولية ضدهم، ومهما كانت قرارات الأمم المتحدة ضدهم. تأكدنا أننا نعيش فى عالم لا يعترف إلا بالقوة ولا يناصر إلا الأسماك الكبيرة حينما تأكل وتهضم الأسماك الصغيرة ولا عزاء للعدالة.

فلسطين فى حاجة لنا جميعاً، ولا بد أن تتحول بيانات الشجب والإدانة التى تصدر من بعض دول العالم إلى مساعدات حقيقية يتم تقديمها للشعب الذى يُقذف بالصواريخ الفوسفورية الشديدة التدمير، مساعدات إنسانية وعلاج للمصابين ومأوى للاجئين، فالمستشفيات بلا أدوية، وهذا فى حد ذاته دليل العجز الدولى عن حماية المدنيين، ومنذ بداية القصف الإسرائيلى والعالم كله يتحدث عن فيديو مدته دقيقة واحدة لسيدة فلسطينية مُسنة تقول وهى تصرخ وتبكى (الأطفال ماتوا من غير ما ياكلوا)، أين الإنسانية والرحمة؟ وأين الضمير الدولى؟ أليس هناك من يُناصر الحق والعدل؟ أليس هناك من يقول: كفى تدميرًا لشعب أعزل مُكدَّس فى مساحة ضيقة فى قطاع غزة؟ كيف تُغمضون أعينكم على عملية قصف مُمنهجة يقوم بها المحتل للمستشفيات والمدارس والصحفيين والمدنيين.. إلى متى ستظلون صامتون؟ متى يتحول هذا الصمت إلى صرخة فى وجه المحتل؟