الأب بطرس دانيال يكتب.. الله حافظنا

يُعبّر داود النبى عن ثقته فى الله قائلاً: «إنى ولَو سِرتُ فى وادى ظِلالِ الموت، لا أخافُ سُوءاً لأنّكَ معى» (مزمور 4: 23). نعيشُ فى عالم غارقٍ فى الماديات والشكوك واليأس، حتى إن البعض منّا يُعاتب الله هكذا: «أين معونتك وقدرتك أمام تحدّيات هذا العالم؟».

يُحكى عن شخصٍ حَلَمَ بأنه عندما كان يعيش فى سعادةٍ بفضل الغنى والصحة والنجاح، كان يشاهد أثناء سيره على شاطئ البحر آثار أربع أقدام على الرمال، ففهم أن اثنتين لله الذى كان يسير بجواره واثنتين له، فكان مطمئن البال لوجود الله بالقرب منه.

ولكن مع مرور الوقت ضاقت به الدنيا، حتى إنه فقد كل ما يملك وبدأ المرض يحلّ عليه، ووقع فى الفشل والضعف والفقر. وعندما ذهب مرةً أخرى لشاطئ البحر، وجد مكان قدمين فقط لا غير. فبدأ فى معاتبة الله على ما وصل إليه قائلاً: «كنتُ أرى قدميك بجوارى عندما كنتُ فى السعادة والغنى والصحة والنجاح؛ ولكن عندما بدأت العواصف والأمواج تثور علىّ، تركتنى بمفردى فى مواجهتها!». فأجابه الله: «اِعلم جيداً، عندما كنتَ فى حالةٍ ميسورة وبصحةٍ جيدة، كنتُ أسير بجوارك، ولكن عندما بدأت المشكلات والصعوبات تحلّ بك، حملتُكَ على ذراعى!».

نتعلّم من هذه القصة الرمزية درساً رائعاً، يُجيب عن علامات الاستفهام التى نفكر فيها أو نطرحها، نتيجة لما يحدث لنا طوال حياتنا على هذه الأرض. لذلك يجب علينا أن نثق فى الله الذى لن يتركنا أبداً بمفردنا لمواجهة مشكلات الحياة اليومية، وأن نتكل عليه لأنه يستجيب لنا، ويزيل من أمامنا العقبات التى لا نستطيع التغلب عليها بسبب ضعف قوانا البشرية. وما دام الله معنا، فكل عائقٍ يزول، وكل طريقٍ صعب يُمهد، فالإيمان بالله يملأ القلب بينابيع الأمل والثقة، ويُبعد عن النفس المخاوف والقلق. نقرأ على حائط أحد المخابئ بألمانيا حيث كان بعض الأسرى مختبئين هناك أثناء الحرب العالمية الثانية: «أؤمن بالشمس حتى وإن لم تسطع، أؤمن بالحُب حتى وإن لم أشعر به، أؤمن بالله حتى عندما يصمت».

هذه الكلمات تُجيب عن أسئلة عديدة تواجه إيماننا وصمت الله تجاه الشر الذى يحدث فى العالم، وليس كما يعتبره البعض موافقة ورضى منه عمّا يدور من حولنا. فالله موجود دائماً فى حياة كل واحدٍ منّا، حتى وإن لزم الصمت.

هل ننسى أيوب البار الذى فهم معنى صمت الله فى نهاية حياته، وعرف جيداً أن كل شىء يحدث معه، له معنى ومخطط إلهى من أجل خيره؟ مما لا شك فيه أن الله قد يسمح لنا بأن نمر بظروفٍ معينة تدفعنا للقلق، وربما نرى كل شىء من حولنا قاتم اللون، ويصل البعض إلى لحظة فقدان الأمل فى حلّها.

ومع كل هذا يجب أن نثق تماماً فى أبوّة الله وأمانته وحنانه، وبكلمةٍ منه يستطيع تغيير كل شىء إلى الأفضل، ويجعلنا نشعر بالطمأنينة وإن كنّا فى وسط العواصف والزوابع والأمواج العاتية.

طوبى للإنسان الذى يلجأ إلى الله ويعتمد على معونته، لأنه سيحمله بين ذراعيه إذا لزم الأمر، حتى يتخطى العقبات التى لا يستطيع التغلب عليها وحده. فالله معنا بيده الجبارة التى تسند ضعفنا، وتزيل العقبات من طريقنا، أو على الأقل تمنحنا الفرصة لاجتيازها، لكن بشرط أن نستعين به ونعمل معه.

عندما نطلب معونة الله، هل سنخسر شيئاً؟ مما لا شك فيه أن طلب معونة الله لنا لن يكلفنا أى شىء، ولكنه سيعود علينا بالخير الكثير، لأن الله يغمرنا ببركاته وعطاياه التى لا تنتهى أبداً، فالله حاضر فى حياتنا اليومية وفى كل لحظة، لكن العيب فينا لأننا نتعامل معه كديانٍ صارم ينتظر منا أى خطأ لمعاقبتنا فى الحال.

لذلك يجب أن نتساءل: مَن هو الله بالنسبة لنا؟ ديان نعبده بخوفٍ وهلعٍ، أم أب حنون يُحبنا ونحبه؟ لذلك يجب علينا أن نؤمن بالله وبأبوّته اللامتناهية، وأنه قادر على تدبير أمورنا أفضل منّا بكثير، بشرط أن نلتجئ إليه بثقةٍ بنوية، لأنه يعلم تماماً كل ما نحتاج إليه قبل أن نسأله، وما هو الأفضل لحياتنا، حتى إن كانت لنا نظرة أخرى فى هذا الشأن.

والإنسان الذى يثق فى الله لن يتزعزع إيمانه مهما تغيّرت ظروف الحياة، ولن يتأثر بخيانة صديق أو غدر حبيب أو كارثة تحل عليه. ونختم بالقول المأثور: «رغم أن الله لا يعفينا من كل ألم، إلا أنه يحفظنا فى كل ألم».