كيف قضى سكان غزة ليلتهم الأولى تحت القصف بعد انقطاع شبكات الاتصال؟

كتب: رؤى ممدوح

كيف قضى سكان غزة ليلتهم الأولى تحت القصف بعد انقطاع شبكات الاتصال؟

كيف قضى سكان غزة ليلتهم الأولى تحت القصف بعد انقطاع شبكات الاتصال؟

ليلة لا تشبه سواها من ليالي الحرب العشرون التي عاشها قطاع غزة، فالمدينة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا انعزلت عن العالم، ضغطة زر كانت كفيلة أن يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في الخلاء بأمر من قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليل غزة بات موحشًا عما كان في الأساس، فالقطاع الصغير المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط أصبح خاويا على عروشه، لا شبكات اتصال ولا وسيلة للإبلاغ عن الجرحى والشهداء بفعل العدوان الإسرائيلي.

مقاطع فيديو مسربة بالكاد استطاع بعض النشطاء الفلسطينيون التقاطها وبثها عبر حساباتهم الشخصية من خلال هواتف محمولة لا تعتمد على شبكات الاتصال التي كانت تغذي القطاع، قد تبدو تلك المشاهد من القرون الأولى، لا سيارات إسعاف أو دفاع مدني، الخدمة هنا ذاتية، ينقل المواطنون مرضاهم وشهدائهم فوق الأسرة بينما يجرونها في الشوارع تحت ويلات نيران الطائرات التي تستهدف كل شئ يتحرك على الأرض، لتتكدس الجثث فوق بعضها وسط الطرقات.

ظلام وهلع وقصف مكثف

في غزة لا صوت يعلو فوق صوت القصف وأزيز الطائرات، تضئ السماء للحظة واحدة فيبتهج الأطفال «عادت الكهرباء»، فما يلبثون حتى يسقط الصاروخ فيدمر البيت فوق رؤوس ساكنيه، فتحت جنح الظلام الدامس ووسط أصوات القصف الكثيف، يحتضن ماهر أبو رحمة، 35 عامًا، مهندس، أبنائه الثلاثة بينما تجلس زوجته على طرف الأريكة ذاتها، داخل منزلهم في الطابق السابع بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ينطقون بالشهادتين مع كل صوت لارتطام الصاروخ بالمباني المجاورة، لم يعد يصرخ الأطفال من الخوف، فالهلع كان كفيلاً بشل الألسنة، لا يسمع في تلك الغرفة الصغيرة سوى همهمات بالأدعية بينما تشخص أبصار الأبناء تجاه النوافذ، التي تطاير جزء من زجاجها بسبب اقتراب طائرات الاستطلاع منها.

ويقول «ماهر» في حديثه لـ«الوطن» إنّ أهل غزة عاشوا ليلة من ليالي الجحيم، فكتل النار والحمم البركانية كانت مشتعلة في المنازل والشوارع: «كل حلمنا كان إننا نموت في ضربة واحدة مع بعض عشان ماحدا يصير الناجي الوحيد ويتحسر على الباقيين، القصف كان على كل مكان في غزة وخوفنا كان كمان إنهم يقصفوا مستشفى الشفا، كان بدنا بس الاتصالات ترجع عشان نطمن على أهلنا، لأن المستشفى فيها آلاف النازحين والمصابين».

توثيق الدمار واستهداف مباشر

حال المهندس الثلاثيني لا يختلف عما عاشه علي جاد الله، صحفي، 32 عامًا، والذي يقول: «استشهد جميع أفراد أسرتي في بداية العدوان الإسرائيلي، وأعمل طوال ساعات الليل رفقة صديقي صالح الجعفراوي تحت القصف الجنوني».

تنقل «علي» بين المخيمات واستطاع توثيق حجم الدمار وشلال الدماء الذي أمعنت الطائرات الحربية الإسرائيلية في إسالته، ويقول: «القصف لم يفرق بين كبير وصغير أو منزل ودار عبادة، كلنا هنا مستهدفون، غزة أصبحت كتلة من النار».


مواضيع متعلقة