«أبو زيد» آخر من حكاية «يونس وعزيزة» في الصعيد: 60 سنة بغني على الربابة

كتب: أحمد الأمير

«أبو زيد» آخر من حكاية «يونس وعزيزة» في الصعيد: 60 سنة بغني على الربابة

«أبو زيد» آخر من حكاية «يونس وعزيزة» في الصعيد: 60 سنة بغني على الربابة

ينطلق الرجل من منزله الصغير حاملاً ربابته، ويتنقل بين شوارع قرية «الشطب» ومنها إلى شوارع وحواري محافظات الصعيد، ثم يبدأ العزف وكأن سعادة العالم كله تستقر في آلته المصنوعة من الخشب وجلد الماعز في مشهد يعود إلى 60 عامًا، حيث كانت قصة يونس وعزيزة خلالها رفيقة صوته الحزين.

عشق أبي السيرة والربابة وأسماني أبو زيد

استمر الريس أبو زيد،  73 عامًا، في رحلته مع آلة الربابة التي ورثها من والده الذي كان يتنقل بها في الموالد والأفراح وشوارع أسوان وقنا وسوهاج ليحكي السيرة الهلالية حتى أصبحت الربابة جزء من شخصيته يؤكد الرجل الذي يشدو قصة يونس وعزيزة:« أبويا سماني أبو زيد من حبه للسيرة الهلالية الربابة دي مفارقتهاش لحظة بدأت الربابة من صغري أنا بطلع كل يوم الصبح وأعزف الحزين والفرايحي بلف شوارع الصعيد دي من شبابي من ساعة ما ورثت الربابة لذلك إحنا أصحاب ولو حزنت بتحزن معايا ولو فرحان بتلاقيها بترقص وتغني معايا».

عازف الربابة.. من النوبة القديمة إلى بناء السد

بنبرة يملؤها الحنين يتذكر الرجل السبعيني النوبة القديمة التي كانت مليئة بالفن والثقافة، وكان الناس يجتمعون على ضفاف النيل ووسط النخيل لسماع السير والحكايات الذي شارك فيها بربابته «قبل بنا السد وهجرة النوبة كانت النوبة القديمة دي كانت مليانة فن كنت بروح أحكي السيرة وكنا نتجمع على النيل ووسط النخيل واللي جاي بطنبور واللي جاي دف وكنت ألف في شوارع النوبة أقول عن يونس وعزيزة وأبو زيد».

عندما تخلى أبو زيد عن ربابته لأول مرة

للمرة الأولى تخلى «الريس أبو زيد» عن الربابة صديقه صباه ومشواره وأستبدلها بألة أخرى هي ألة التخريم التي اعتمد عليها عندما شارك مع ألاف العمال في بناء السد وكانت التجربة بالنسبة له مصدر رزق ورحلة تعرف خلالها على أنماط أخرى من الثقافات المصرية وكان يحكي لهم قصة عزيزة ويونس مع كوب شاي أعد على قطع من الخشب بعد إنتهاء الوردية: «كنت بحكي في النوبة القديمة السيرة الهلالية قبل التهجير ولما شاركت في بنا السد مع مقاول من بلدنا التقيت ألاف من الرجال وكنا بنهد في الصخر ونرجع ننعس حبة وناكل لقمة ومع أول يوم وقفت في وسط الناس أول كلامي باذكر حي موجود «إله ع الخلق راضي.. رفع السما من غير عامود ..وبفضله بسط الأراضي».. ولقيت الاف الرجال بتهلل وكنا نرجع بعد الوردية احكيلهم قصة أبو زيد اللي ابويا سماني على إسمه».

 

يتناول العجوز المقيم في قرية الشطب بأسوان السيرة الهلالية على ربابته لكنه يفضل قصة الحب التي نشأت بين عزيزة، ابنة الوهيدي معبد، ويونس، أحد شباب الهلالية، وتتنوع روايات السيرة لتشكل ثلاث قصص تقريبًا، إحداها في الصعيد وتتميز بشكل شعري شعبي يعرف بالمربع، والثانية في الدلتا وتتميز بالقصيد والزجل، بالإضافة إلى رواية أخرى شائعة في القاهرة ولا تزال رواياتها تعيش حتى اليوم في صعيد مصر ودلتاها على لسان بعض الشعراء وبموسيقى الرباب أو غيرها من الآلات الموسيقية وفقًا لـ الريس أبو زيد.

ومن وحي حكايات الريس أبو زيد التي يسردها من السيرة الهلالية على أهالي الصعيد فإن عزيزة كانت سيدةجميلة جدًا فشدت انتباه كل الأمراء وكثر خطابها إلا أنها رفضت الأمراء والأثرياء وكانت تبحث عن الحب الحقيقي يروي الريس أبو زيد :«مكانتش شايفة نفسها سلعة حد يشتريها بالفلوس و بالهدايا كانت عايزة الراجل اللي تحبه ويحبها».

 أبو زيد آخر من يسرد قصة عزيزة ويونس

أكثر من يشغل بال عازف الربابة الذي يسكن في منزل بسيط هو إندثار السيرة الهلالية التي يعتبرها جزءًا من التراث الثقافي الغني للشعب المصري حيث أنها اختفت من الأفراح والموالد وحل محلها فنون أخرى لا تتمتع بالأسلوب الشعري الجميل والتعبيري العميق، ويحكي أبو زيد :«مبقاش في فن زي زمان الناس دلوقتي بتجيب في الأفراح الدي جي حتى الشوارع مبقاش فيها فن فيها دربكة وكلام ميصحش نسمعه وانا وغيري مهما عيشنا مش دايمين».

الريس أبو زيد: السيرة تواجه الإندثار وسيرثها حفيدي 

الرجل الذي يعتبرأخر من يسرد قصة عزيزة ويونس يروي بشيء من الحزن أن اختفاء هذا الفن التراثي من الشوارع والفعاليات يؤرقه مطالبًا بالحفاظ على السيرة بتنظيم فعاليات ثقافية ومهرجانات تساعد على نشر هذا التراث الثقافي وزيادة الوعي بأهميته مؤكدًا أنه إرث يحافظ عليه وسوف يورثه إلى أحد أحفاده:«هعلم حفيدي الربابة وأقوله سر السيرة الفن ميموتش وهقوله عزيزة ويونس علشان السيرة الهلالية موجودة بس عزيزة ويونس الكل نسيهم».


مواضيع متعلقة