30 يونيو.. ثورة للعالم العربي (1 - 4)
بمناسبة الأجواء شديدة الحرارة التى نعيشها هذه الأيام، سألنى صديق عربى وهو يتصبّب عرقاً.. هل كانت درجة حرارة يوم 26 يوليو عام 2013 هكذا عندما نزل المصريون للشوارع بعشرات الملايين لتفويض وزير الدفاع (السيسى) لمقاومة الإرهاب؟
أجبته.. نعم، وذكرته بأن ذلك كان فى شهر رمضان وهم صائمون، وأضفت.. المصريون خرجوا لحماية بلدهم من أخطر فصيل إرهابى، وقاطعنى صديقى: عفواً لم تكن ثورة مصرية فقط، لكنها ثورة للعالم العربى.
تذكرت ما قاله ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، فى برقيته الأولى يوم 3 يوليو 2013، لتهنئة المستشار عدلى منصور، رئيس مصر السابق بنجاح ثورة 30 يونيو.
«باسم شعب المملكة العربية السعودية، وبالأصالة عن نفسى، نُهنّئكم بتولى قيادة مصر فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، وإننا إذ نفعل ذلك لندعو الله أن يعينكم على تحمّل المسئولية الملقاة على عاتقكم لتحقيق آمال شعبنا الشقيق فى جمهورية مصر العربية، وفى الوقت ذاته نشد على أيدى رجال القوات المسلحة كافة ممثلة فى شخص الفريق أول/ عبدالفتاح السيسى، الذين أخرجوا مصر فى هذه المرحلة من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته، لكنها الحكمة والتعقّل التى حفظت لكل الأطراف حقها فى العملية السياسية».البرقية كانت بلا شك داعمة لثورة 30 يونيو، خاصة أنها وصلت بعد ساعات قليلة من إلقاء الفريق عبدالفتاح السيسى -وزير الدفاع آنذاك- بيان إسقاط حكم المرشد، وتلك البرقية أيضاً دشّنت علاقة الثورة الوثيقة بالمنطقة العربية.
نعم خرج المصريون يوم 30 يونيو 2013 فى أعظم -وأكبر- ثورة فى التاريخ، وأسقطوا حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وقطعوا الطريق تماماً على مخطط إقامة سلطة الدولة الدينية الطائفية فى مصر، لكنهم أيضاً أنقذوا المنطقة العربية كلها من مخطط تقسيمها، وفقاً لما يسمى بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير»، الذى طرحه قبل سنوات رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق شيمون بيريز، وتبنّته الولايات المتحدة الأمريكية وشرعت فى تنفيذه بالفعل، عبر مسار الفوضى الخلاقة، وكانت الجماعة الإرهابية إحدى أهم أدواته.
قامت الثورة، ومعها استعاد المصريون وعيهم قبل فوات الأوان، وكشفوا سريعاً خدعة «الربيع العربى» التى حوّلت قوى الشر من خلالها دولاً مثل تونس وليبيا وسوريا واليمن إلى ساحات مفتوحة للحروب والصراعات الإقليمية والدولية، ومرتع لجماعات العنف المسلح والتطرف والإرهاب باسم الدين.اكتشف المصريون أن هؤلاء المتسترين باسم الدين مجرد دمى متحركة، خيوطها فى أيدى قوى استعمارية تستهدف تفتيت المنطقة وتقسيمها بتفجير الصراعات العرقية والدينية والمذهبية.
وقف المصريون أمام المفارقة، فمن قدموا أنفسهم كدعاة ورعاة لثورة 25 يناير، والتحركات «الثورية» فى الدول المحيطة تحت غطاء نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحالفوا مع أكثر القوى عنفاً ورجعية وانحطاطاً وعداء للديمقراطية وحقوق الإنسان!أدرك المصريون أن تحالفاً شريراً يضم عدة دول، لا يمكن أن تكون نواياه طيبة وهو يدعم سراً وعلانية وصول الإرهابيين للحكم.
ولم تكن ثورة 30 يونيو معزولة عن ظهور ما تمت تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»، ليس فى تونس وسوريا وليبيا واليمن فقط، ولكن أثناء ذلك وبعده أيضاً فى الجزائر والسودان والعراق ولبنان، بما أحدثه وأنتجه هذا (الربيع) من تحويل هذه البلدان إلى خرائب ضاع أهلها وتشتّتوا كلاجئين فى أنحاء العالم، وباسم الدين تم استهداف الجيوش الوطنية، كبداية لضمان السيطرة، وتنفيذ مخططات التقسيم، وإشعال الحروب الأهلية على أسس طائفية وعرقية ودينية ومذهبية، ورسم خرائط جديدة لهذه المنطقة بما يخدم مصالح قوى الاستعمار والتخلف والرجعية.وللحديث بقية.