الفلاح الفصيح.. يطلع من الأرض يصيح

كتب: أمينة مجدى

الفلاح الفصيح.. يطلع من الأرض يصيح

الفلاح الفصيح.. يطلع من الأرض يصيح

مثلما تتعانق الجذور مع الأرض، يتوحد ذلك الجسد الهزيل الذى تجاوز عقده السابع مع لون الأرض التى حفرت ملامحه. منذ أن أبصر الكون من حوله لا يعرف له سكناً إلا الحقول. «سعد كريم علام العربى» أو كما يعرفه أبناء قريته «عم السعودى العربى»، هو الأخ الأكبر لثلاثة أشقاء توفى والدهم تاركاً لهم «كوخ» من الحطب هو مأواهم. عرف عنه منذ الصغر الذكاء الشديد والفطنة. لم يرتد مدارس بسبب ظروف أسرته المعدمة التى دفعته إلى العمل كأجير حتى يتمكن من تربية أشقائه. فلاح بسيط الحال، لكنه لم يكن بسيط الفكر. تخطى حدود عقله ليصبح حديث قريته ومقصد كل من يبحث عن المعرفة. مؤرخ وفيلسوف وحكيم، سريع البديهة، يكفى أن تذكر أمامه معلومة مرة واحدة ليسجلها فى ذاكرة لا تعرف النسيان. يحفظ خطابات «عبدالناصر» و«السادات». سنوات عمره كانت شاهدة على فترة من أهم تاريخ مصر، يحفظها العجوز عن ظهر قلب كما يعرف أبطالها. لم يشغله زرعه عن قضايا أمته، يستدعى أحداثها بقوله: «عاصرت الملك فاروق، كان فيه فساد والفلاح كان مظلوم، بيتعب فى الأرض ومحروم من خيرها، أما فى عهد عبدالناصر بدأ الفلاح ياخد حقه لكن كانت البلد مهددة بالرجعية داخلياً بينما الاستعمار يتربص بها مثلما يحدث حالياً، الشعب كله كان بيحب عبدالناصر زى ما بيحب السيسى، اللى أحيا عبدالناصر من تانى وخلانا نحس بكرامتنا». سنوات قضاها العجوز تحت وطأة الاحتكار أو ما يسمى «الوسية» التى كانت نموذجاً للاستعباد خلقت عنده رصيداً كبيراً من الصبر على الشدائد والصعاب وإرادة على التعلم والتعمق فى المعرفة فى كافة المجالات. يزرع الأرض، مستعيناً بالتقويم الفلكى أو ما يسمى «أجندة البزيدى» التى يحرص «السعودى» على شرائها مطلع كل عام، ليعرف مواقيت الفصول الأربعة وكسوف الشمس والقمر خلال العام الهجرى. يحسب كمية الماء التى تحتاجها أرضه، فلا يزيد عنها ليغرق الزرع ولا يقل ليموت الزرع عطشاً: «الفدان بيحتاج كمية من الميه تعادل 4200 م2 سنوياً». يتكئ «الفلاح الفصيح» على عصا من شجرة البرتقال، يتحدث إلى أبنائه الخمسة: «ملكمش دعوة بحد، اللى يحدفك بطوبة احدفه برغيف وخليك زى النخل وافتكر قدرة ربنا عليك». تتجول عيناه فى أرجاء حقله بحسرة متحدثاً: «الأرض عرض ولازم لها بطل يحميها ويحافظ عليها، وأنا هفضل أشتغل فيها لآخر نفس فى عمرى، نفسى أموت فيها عشان هندفن فيها ولازم نزرعها عشان ولادنا وبلدنا».