بناء المدن الجديدة بعد 30 يونيو يعالج أزمة الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي

بناء المدن الجديدة بعد 30 يونيو يعالج أزمة الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي
كانت ثورة 30 يونيو علامة فارقة في مسيرة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليبدأ الشعب رحلة جديدة من التقدم والتنمية، والتي كان إحدى خطاها بناء المدن الجديدة كمحطة رئيسة وبارزة في هذه الرحلة، فالذكرى العاشرة من تلك الثورة المجيدة، تأتي لتذكير بمسيرة التطور والتغيير، الذي يعبر عن إصرار الشعب النصري، على بناء مستقبل أفضل، مع بناء مدن جديدة، تشهد تحولًا واعدًا في المشهد العمراني المصري، ينعكس على جودة حياة المواطنين.
الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي
وذكر المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية في دراسة له بعنوان «10 سنوات ثورة 30 يونيو حصاد مثمر وآفاق واعدة»، أن مصر عانت من تحديات كثيرة في مجال الكثافة السكانية والتوسع الحضري، فمنذ آلاف السنين ويعيش السكان في ظل نمو سكاني متسارع في أقل من 7% من مساحة مصر، وفي مواجهة هذه التحديات، أصبح بناء المدن الجديدة خيارا استراتيجيًا مهمًا لتخفيف الضغط عن كاهل المدن القائمة، وتوزيع السكان والموارد بشكل أكثر توازنًا، حيث تتميز المدن الجديدة بتصاميم حضرية حديثة، وبنية تحتية متطورة ومخططة، تلبي احتياجات السكان وتعزز جودة الحياة.
أهمية بناء المدن الجديدة «مدن الجيل الرابع»
ويحقق بناء المدن الجديدة استغلالا أمثل للأراضي غير المستعملة في الدولة، وسهم أيضًا في توفير فرص عمل جديدة وتنمية اقتصادية مستدامة، وتعزيز الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى ذلك، تلعب المدن الجديدة دورًا مهمًا في تحسين جودة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، من خلال التصميم البيئي المستدام، واعتماد الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات بشكل فعال بمدن الجيل الرابع التي بدأت تنتشر بأنحاء الجمهورية.
الكثافة السكانية الكلية تعني عدد سكان الدولة مقسومًا على المساحة الكلية للدولة، ومع تطور حجم السكان، أصبحت الكثافة السكانية في ارتفاع مستمر، فقد ارتفعت من 6.6 نسمة / كيلو متر مربع، عام 1882 إلى 103.3 نسمة / كيلو متر مربع في مارس 2023، وحال ارتفع عدد السكان إلى حوالي 120 مليون نسمة في 2030 من المتوقع أن تصل الكثافة إلى حوالي 119 نسمة / كيلو متر مربع.
إلا أن هذه لم تكن الأزمة، فالأزمة الحقيقة أن تبقى إجمالي السكان يعيشون على مساحة أقل من 7% من المساحة الإجمالية للدولة، فيبلغ إجمالي الكثافة السكانية المأهولة حوالي 1449 نسمة / كيلو متر مربع بإجمالي الجمهورية عام 2021، ويتضح من الجدول أن هناك تباينًا كبيرًا في نسبة المساحة المأهولة مقارنة بالمساحة الكلية على مستوى المحافظات.
فتتراوح نسبة المساحة المأهولة أقل من 5% في محافظات السويس وأسوان والبحر الأحمر والوادي الجديد ومطروح، بينما تصل إلى 100% في محافظة الدقهلية والشرقية وكفر الشيخ والغربية والإسماعيلية، وتقترب من 100% في محافظات بورسعيد والقليوبية والمنوفية، تؤدي تلك التباينات في نسبة المساحة المأهولة بالمحافظات المختلفة، إلى تباينات أكبر في الكثافة في المساحة المأهولة والتي تقدر من خلال قسمة عدد السكان على المساحة المأهولة بالكيلومتر مربع.
وقد بلغت الكثافة في المساحة المأهولة في محافظة القاهرة مستوى قياسيًا على مستوى الجمهورية، ومقارنة بأكثر المناطق كثافة في العالم، حيث بلغت الكثافة 52ألف نسمة للكيلو متر المربع الواحد في العاصمة، وتأتي محافظة الجيزة في المركز الثاني لكن بفارق شاسع عن القاهرة، فبلغت الكثافة في المساحة المأهولة في محافظة الجيزة 7.4 آلاف نسمة في الكيلو متر المربع.
ويتباين التوزيع الجغرافي للسكان بالمحافظات تباينًا كبيرًا، إذ يتركز السكان في محافظات وادي النيل والدلتا وفي الحواضر الكبيرة وإقليم القاهرة الكبرى وندرة السكان في محافظات الحدود، فوفقًا لتعداد 2017، تمثل محافظات الوجهين القبلي والبحري مجتمعة أكثر من 80% من إجمالي سكان الجمهورية، بينما تمثل المحافظات الحضرية «القاهرة، الإسكندرية، والسويس، وبورسعيد» 17% من إجمالي السكان، في حين أن التمثيل النسبي لمحافظات الحدود «البحر الأحمر والوادي الجديد ومطروح وشمال سيناء وجنوب سيناء» لا يمثل سوى 1.7% من السكان، رغم مساحتها الجغرافية الشاسعة.
لذا كان لابد من حل جذري للأزمة، وإعادة رسم خريطة سكان مصر، واستيعاب الزيادة السكانية المستمرة والتكدس السكاني في الواد من خلال القضاء على العشوائيات والمناطق غير الآمنة، وغير المخططة، وتحسين جودة حياة المواطن في الريف من خلال المشروع القومي حياة كريمة.