"حتتنا" الجزء الثاني.. شخصيات تروي حكايتها من "القاهرة الصاخبة"
عدسة تجوب بين الشوارع والأحياء في تلك المدينة الواسعة، تخترق ذلك الحاجز الذي يفصل بينها وتصل بالمشاهدين إلى جزئها الخفي الذي يحمل حكايات القاع وأسراره لشخصيات بسيطة تحكي قصتها كما تراها، بلسانها تقص أحلامها وطموحتها التي تحمل بين طياتها صخب المدينة الواسعة في أبهي صوره وأبسطها في "حتتنا".
في الوقت الذي انتشرت فيه برامج "التوك شو" وامتلأت الشاشة بالشخصيات السياسية البارزة، وتصريحات رافضة وأخري منددة، حاول إدريس السقاط، المنتج الفني بقناة "الحرة" أن يقدم تجربة جديدة من نوعها تنطوي علي تقديم القاهرة المليئة بالحكايات من زاوية جديدة لم يراها أحد من قبل، وجاء ذلك من خلال "حتتنا" والذي يعد أول برنامج وثائقي ضمن برامج تلفزيون الواقع، والتي تعد تجربة مختلفة بالرغم من أنها تعد الثانية له بعد برنامج "نبض الشارع" والذي حصل من خلاله علي جائزة "النسر الذهبي" من الولايات المتحدة الأمريكية عن فئة الأفلام الوثائقية.
من صميم المجتمع المصري تحديدًا محافظة القاهرة بين الحواري والأزقة التي تحمل رائحة الوطن، بدأ فريق عمل برنامج "حتتنا" يجوب شوارعها بحثًا عن حكايات مليئة بالأحلام والطموحات تعكس طبيعة المجتمع المصري من خلال تقديم نماذج حقيقية في بيئتها الخاصة بدون تجميل أو رتوش، ليلقي الضوء علي أبطال في زي مواطنين نجحوا في التغلب علي الظروف من خلال خلق أفاق جديدة لحياتهم.
بدأ إدريس السقاط، المنتج الفني لـ "حتتنا"، الحديث عن فكرة البرنامج قائلًا "الفكرة جاءت من خلال رغبتي أن أقدم حياة بشر مختلفين في أماكن وأحياء مختلفة، فبمجرد أن تبلورت الفكرة في مخيلتي لم أجد مدينة أفضل من القاهرة في التنوع والاختلاف السكاني التي تحمله بداخلها، فتلك المدينة تحمل عدد كبير من القصص الخفية بين طياتها، فحينما تنتقل من حي لأخر ومن مكان لأخر تجد ما يختلف عن بعضه حتي بداخل الحي نفسه تجد مجتمعات صغيرة متحدة داخل المجتمع الاكبر، لذلك فهي المدينة الأفضل والأنسب لفكرة البرنامج".
وأضاف السقاط من خلال حديثه لـ "الوطن"، أن التحدي الحقيقي بالنسبة للبرنامج كان يقبع في أن تدخل تلك المجتمعات باختلافها وتسلط الضوء علي النماذج المتفردة بداخلها، مشيرًا إلي بعض الصعوبات البسيطة التي واجهت فريق إعداد البرنامج في التنقل بين شوارع لقاهرة ولكنها لم تعوق تصوير البرنامج، "العمل في الشارع ينطوي علي بعض الصعوبات ولكن مع تكرار الأمر تتعود بقدر الإمكان وتصبح التجربة جزء منك وتتعامل معها بسلاسة فلا تختلف الصعوبات في القاهرة عن غيرها لأنك مازالت تقابل التحديات للتصوير في الشارع، فوظيفتنا تقضي تذليل جميع الصعاب وجعل كل شيء ممكن".
وفيما يتعلق بصعوبة التصوير في الشارع يضيف كريم حنفي، منتج البرنامج، أن التصوير في كل منطقة كان له صعوباته الخاصة والمختلفة عن أي منطقة أخري فالزمالك التصوير بها له صعوبات تختلف عن التي تواجها في الدرب الأحمر أو المطرية، وطبيعة البرنامج تنطوي علي نوع أخر من الصعوبة حيث معظم الناس يعتقدون أنه من السهل العمل في برامج تلفزيون الواقع، إلا أنها تعتمد علي تسجيل حياتهم وردود أفعالهم الطبيعية مع عدم وجود نص مكتوب.
"اختيار الشخصيات يتوقف علي قصصهم، فنحاول من خلال البرنامج أن نقدم الشخصيات المرتبطة بمنطقتها، وتنتج عنها قصة تطرح هذا الارتباط وتعبر عنه لمعرفة مدي تأثر الإنسان بمكانه وتأثيره فيه، نستطيع تقدمها بشكل جيد وفي لوقت الذي تندمج فيه مع القصص الأخرى تقدم عمل متوازن وشيق"، وتابع حنفي من خلال حديثه لـ "الوطن"، "الشخصيات هي التي تحركنا بسلاسة شديدة داخل حياتها، فيقدم بإيجابية شديدة طموح ولحظات صعبة وفارقة لدي شخصيات حقيقية مرت بنفس ظروفك ولكن استطاعت أن تخلق لنفسها بعد جديد ملئ بالأمل والتحدي، في كل حد في حياته مشاكل وصعوبات ولكن حاولنا أن نركز علي الجانب الإيجابي من خلال طاقة الأمل الموجودة لدي أصحابها فالفكرة والاختلاف في تقديما ينبع من "أنت عايز توصل إيه للناس".
وعلي الجانب الآخر يري كريم، البرنامج يحاول أن يقدم فكرة جديدة عن مصر من خلال شخصيات مثابرة تعافر للوصول لحلمها، بالإضافة إلي أن ميزة البرنامج الرئيسة تتلخص في الإيجابية التي يطبعها عند المشاهدين، تكسر الاحكام والتصورات المسبقة حول المناطق والشخصيات نفسها، فالبرنامج يستوعب اختلاف القاهرة باختلاف سكانها واحيائها وقدرتها علي استيعاب العدد الضخم من التنويعات السكانية وأنماط حياتية مختلفة، كما يلقي الصورة علي التعايش بين جميع طبقات المجتمع الذي يحترم كل الانماط والمعتقدات والخلفيات.
أضاف السقاط، تناول البرنامج عدد كبير من الشخصيات ذات الطبيعة المميزة والخصوصية في تفاصيلها، ولعل كان أبرزها تأثيرًا علي فريق عمل البرنامج كله هي "أم باسم" السيدة الستينية التي قررت بعد احالتها للتقاعد أن تأخذ دورات في السباكة وتفتح محل والدها الراحل لتكون أول سيدة تعمل بالسباكة في مصر، وعدد كبير أخر من الشخصيات منهم فتاة تحلم أن تصبح بطلة العالم في الملاكمة، والشاب الذي قدم موسيقي "المهرجانات" ابنة البواب التي تهوي الغناء وتود احترافه حتى لو كان وسط سكان عمارتها، كلها نماذج متفردة ومشجعة يلقاها المشاهد المصري والعربي لأول مرة.
تابع المنتج الفني للبرنامج حديثه قائلًا "نحن الآن بصدد إعداد الجزء الثاني من البرنامج، وفكرة الانتقال لمحافظات أخرى غير مطروحة في الوقت الحالي، فالقاهرة كمدينة تحتوي علي نبع كبير من ملايين الحكايات لا يمكن أن ينضب حتي بعد 50 عامًا، فالفكرة الآن قائمة علي القاهرة وننتظر ردود الأفعال من المشاهدين لننطلق بالكاميرا في أماكن مختلفة، فالكثير من الشباب يتواصلوا مع البرنامج ويرسلون قصصهم وصور أحيائهم لنختار منهم نماذج للجزء الثاني من البرنامج، وهذه هي الألية المعتمدة في الإعداد للموسم الثاني من حتتنا"، مشيرًا إلي أن المغرب هي المحطة القادمة بالنسبة له لتقديم "حتتنا" أو فكرة مشابها.