إيناس مسعد سرج تكتب: شات جي بي تي.. المولود الذي سيغير ملامح العالم (2)

إيناس مسعد سرج تكتب: شات جي بي تي.. المولود الذي سيغير ملامح العالم (2)
طرحنا في نهاية الجزء الأول من المقال عددا من الأسئلة المتعلقة بالتغيرات التي سيلحقها روبوتات الدردشة بحياتنا.. منها هل يمكن أن تحل هذه العقول الذكية محل البشر؟ وفي أي اتجاه سيكون تأثيرها هل سلبا أم إيجابا؟ وهل سيولد عالما مختلفا عما نعيشه اليوم؟ وهذا ما كشفه لنا إيلون ماسك من أن العالم سيتغير بفعل الذكاء بسرعة تفوق كافة التوقعات في مدة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات على الأكثر.. فكيف ستكون هذه التغييرات؟ وكيف سيتغير شكل العالم؟
ربما تكون مؤشرات الإجابة على هذه الأسئلة من الممكن استقاؤها عبر تصريحات بعض المهتمين بهذا المجال، اذ نجد سام التمان الرئيس التنفيذي لشركة (أوبن إيه أي) ومؤسس (شات جي بي تي )، يشير إلى أن البرنامج المتقدم من (شات جي بي تي) يمكن أن يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن السيبراني، وهو ما جعله غير متاح في بعض البلدان لأسباب أمنية، من بينها الصين وروسيا وأوكرانيا وأفغانستان ووإيران وبيلاروسيا وفنزويلا ومصر وغيرها.
كما برزت تأثيراتها السلبية في المجال السياسي حين أبدى بعض السياسيين مخاوفهم بشأن تأثيرات الروبوتات على الديمقراطية، حيث يمكن توظيف الروبوت في كتابة تعليقات آلية يمكن أن تؤثر على عملية اتخاذ القرار. وهو ما جعل منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في الصين (وي شات)، التي تضم أكثر 1.2 مليار مستخدم، تمنع مستخدميها من الوصول إلى (شات جي بي تي).
أفرزت الإشكالية السابقة معضلة أخرى تتعلق بتوظيف الروبوتات في التسويق السياسي وتشكيل الرأي العام، وترتبط هذه الإشكالية بقضية الصراع على من يضع القواعد التي تحكم الآراء التي يُسمح للخوارزميات بفهرستها أو نقلها أو التعلم منها - أو قمعها- أو بمعنى آخر من سيقوم بتعليم الروبوتات، ومن سيزج بالمعلومات لهم وعلى أي أساس سيتم فلترة هذه المعلومات ولصالح من؟
ثمة أمر أخلاقي آخر يجب ألا نغض الطرف عنه، وهو كذب البشر في مقابل كذب الآلات، فالبشر يكذبون ويتلاعبون ومن المحتمل أن يكونوا مراوغين أو متلاعبين وينجذبون إلى نظريات المؤامرة التي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة بل ويروجون لها.
كل هذا جزء مسجل في ذاكرتنا الإدراكية وناتج عن كوننا كائنات اجتماعية، ونميل إلى النظر إلى الآلات على أنها موضوعية وغير متحيزة، وغالبًا ما ننسى أن الآلات يمكن أن تكون هي الأخرى منحازة أو خاطئة تمامًا، لأنها بحاجة إلى برمجتها من قبل البشر وتدريبها على البيانات التي يجمعها البشر. وهنا يكمن الخطر في الإيمان بمصداقية الإله وانعدامها لدى البشر، فهي حالة من الخداع الخفي لجموع الناس.
تصريح آخر يأخذنا إلى بعد جديد بالغ الأهمية فيما يتعلق بتأثير هذه الروبوتات على توظيف المزيد من العاملين في مجال المعرفة، وهي المخاوف التي أبداها الخبير الاقتصادي (بول كروجمان) بعد ثلاث شهور فقط من ميلاد (شات جي بي تي).
واتفق معه (أندرو نج) المؤسس المشارك ورئيس (جوجل برين) بل وأضاف للشعر بيتا، حين أشار إلى أن أكبر ضرر من المحتمل أن يلحقه الذكاء الاصطناعي بالأفراد على المدى القصير هو الاستغناء عن الوظائف، لأن حجم العمل الذي يمكننا أتمتة باستخدام الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من ذي قبل. حيث يمكن أن يكون جميع الأساتذة والمبرمجين والصحفيين والكتاب المسرحيين عاطلين عن العمل في غضون بضع سنوات فقط ، بعد أن أذهل (شات جي بي تي) الجمهور بقدرته على الكتابة، لذا فالمهن التي تعتمد على إنتاج المحتوى يمكن أن تصبح قديمة ولعل أبرز الأدلة الحية على أن هذا المصير سيواجهه البشر بأسرع مما نتخيل هو ما قامت به شركة جوجل مؤخرا في الاستغناء عن 12ألف وظيفة في أكبر عملية تفريط في الموظفين معلنة أنه تم استبدالهم بالذكاء الاصطناعي.
توقعت أيضا العديد من الأبحاث أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يأخذ وظائف ما يصل إلى مليار شخص على مستوى العالم خلال العقد المقبل ويجعل 375 مليون وظيفة قديمة. ومن المحتمل ألا تحل الوظائف الأحدث ذات الأجور الأفضل محل الوظائف المفقودة.
إنه من واجبنا جميعًا أن نتأكد من أننا نبني عالمًا يتمتع فيه كل فرد بفرصة الازدهار فهل سيصبح هذا العالم متاحا؟ وكيف؟ ولعل وضع استراتيجيات إعادة التدريب والتأهيل قد أضحى واجبا لا يمكن تجاهله وإلا سيواجه العديد من الأشخاص العاديين صعوبة كبيرة في العثور على عمل جديد.
لم يعد التنافس بين البشر وبعضهم فقط إنما برزت أطراف جدد حيث المنافسة بين الإنسان والروبوتات، وذلك بعد أن انتقلنا من حقبة الذكاء الاصطناعي إلى حقبة الحكمة الاصطناعية والتي أضحى فيها الروبوت غير قادرا فقط على القيام بمهام بدنية، إنما أصبح قادرا على القيام بمهام ذهنية يستطيع خلالها أن يطور نفسه بنفسه، فالمذيع الروبوت الصيني المستنسخ من المذيع البشري (تشن هواه) والروبوت (صوفيا) متعدد الإمكانيات التي اكتسبت الجنسية السعودية هما أبرز نتاج هذه الحقبة!!