د. إيناس مسعد سرج تكتب: شات جي بي تي.. المولود الذي سيغير ملامح العالم (1)
دكتور إيناس مسعد
مولود جديد لم يتجاوز من العمر أكثر من أربعة أشهر ولد في 30 نوفمبر 2022، إلا أنه تجاوز مليون شخص مهتم بشأنه خلال أسبوع من ولادته، وهناك توقعات أن يصل عدد المهتمين به إلى مليار شخص بنهاية 2023، وأصبح المولود له عشاقه وأضحى مخيفا في الوقت نفسه، إلا أن الملاحظ أنه استطاع أن يطور نفسه في غضون ثلاثة شهور ليظهر متجددا في ديسمبر الماضي، هو مولود متوقع أن يجلب عوائد مادية لأسرته تتخطى 200 مليون دولار بحلول نهاية العام ومليار دولار بعد أن يتم من العمر عامين، يا لها من أسرة سعيدة ومحظوظة حقا!
أنه المولود الرقمي الجديد (شات جي بي تي 3) وهو روبوت خرج من رحم شركة (اوبن ايه اي) وهي هيئة بحثية مستقلة أسسها ايلون ماسك ومستثمرين آخرين في مجال التقنية بدأت منذ 2015 العمل عليه ومنذ إطلاقه في نوفمبر 2022، حقق نجاحًا غير عادي جعل البعض يطلق عليه تسونامي رقمي على شبكة الإنترنت.
هذا المولود الرقمي هو روبوت محادثة متطور، يمكنه تقديم إجابات لأكبر وأصغر الأسئلة من خلال الدردشة معه، وإعداد مقالات جامعية وقصص خيالية وخطابات التقدم للوظيفة، وتوليد الأفكار وتطوير استراتيجيات العمل وتزويدنا باقتراحات الهدايا ووصفات الطهي، وكتابة المدونات، والعثور على الأخطاء في البرمجيات. كما أنه قادر على فهم لغة الإنسان الطبيعية و كتابة المقالات وفقا لأنماط كتابة صحفيين بعينهم يتميزون بأسلوب خاص فى الكتابةً، فسيمكنه مثلا أن يكتب مقال بأسلوب محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين بشكل مثير للإعجاب رغم اختلاف أساليبهم فى وهو ما أذهل الأكاديميين لأدائه للمهام المعقدة وسهولة الاستخدام.
إن هذا المولود الرقمي يقوم بهذه المهام من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مما استخلصه من كمية هائلة من النصوص على الإنترنت تم تدريبه بواسطتها ، وتولى ايلون ماسك استخدام قاعدة بيانات تويتر لتدريبه عن طريق (التعلم الالي) ما يجعله يضاعف امكاناته تلقائيًا كل ثلاثة شهور.
تكمن الفكرة الأساسية لهذا الروبوت في التدريب الذي تلقاه، وضبط اللغة بداخله بدقة ،من خلال تزويده بعدد هائل من الأسئلة والأجوبة التي قدمها مدربو الذكاء الاصطناعي له . ثم تم دمجها بمجموعة ضخمة من البيانات ، و طُلب من البرنامج إنتاج العديد من الردود المختلفة على مجموعة متنوعة من الأسئلة ، والتي صنفها الخبراء بعد ذلك من الأفضل إلى الأسوأ.
نتج عن هذا الضبط الدقيق الذي وجهه الإنسان أن ( شات جي بي تي) أصبح مثيرًا للإعجاب في تحديد المعلومات التي يبحث عنها،وتأطير الرد بطريقة طبيعية بل كانت النتائج مذهلة عندما أنتج الروبوت "فصل تمهيدي لماجستير فى إدارة الأعمال بالرغم من انه لم يضمنه قائم المراجع ، كما تمكن من "كتابة مقال صحفي مكون من 850 كلمة بأسلوب متناغم، اضافة لذلك أصبح قادرا على الانخراط في محادثة طبيعية شبيهة بالبشر. حيث يتعلم الكلمات والعبارات المرتبطة بالآخرين ، وكيف تتلاءم الجمل معًا.
النتيجة التي اصبحنا ندركها هي آلة يمكنها تقليد لغة الإنسان بشكل مقنع. تسمح هذه القدرة على التقليد لـهذا المولود بكتابة المقالات والشعر والتفكير في النكات لدرجة أجبرت ( تيم كاتزمان) احد علماء علم الإدراك القول بأن: "المقالات قد ماتت" ، وهي وجهة نظر قام العديد من الأكاديميين بتضخيمها. فوفقًا لإيلون ماسك ، هذا الروبوت "جيد بشكل مخيف" حيث سيستغرق الأمر 1000 عمر بشري لقراءة مقدار النصوص التي تم تدريبه عليها وأضاف أن الإنسانية ليست بعيدة عن الذكاء الاصطناعي القوي، كما ان متوسط تكلفة الدردشة مع هذا الروبوت سيكون على الأرجح سنتات مكونة من رقم واحد، وهو ما يجعل هذا الروبوت قابل للانتشار فهذه التقنية قادمة إلينا لا محالة وستكون جزء من حياتنا في وقت قريب خاصة وأن الذكاء الاصطناعي يجتذب رأس المال باستثمارات بلغت 13 مليار دولار في عام 2021 وهو رقم قابل للزيادة.
الحقيقة أنه ليس (شات جي بي تي) ـ وحده هو الذي يصول ويجول في عالم روبوتات التعلم الآلي وبناء المعلومات، فسنجد ايضا (جاسبر شات ) ينتمي إلى نفس العائلة وان كان له مهمة أخرى ترتبط بعالم البزنس ، فهو روبوت محادثة وتأليف للنصوص وتحريرها. تم تصميمه لإنتاج مواد للتسويق والتمويل، وإبتكار إعلانات متنوعة ،كما أعلنت زووم عن ميلاد ربوت دردشة داخل تطبيقها قائم على الذكاء الاصطناعي لأداء مهام مرتبطة بمجال إدارة الأعمال، ولم تكن (مايكروسوفت بينج ) ببعيدة عن ذلك حيث تعمل على إطلاق نسخة من محرك البحث الخاص بها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ومن هنا فن روبوتات الدردش التي بدأ عددها ومهامها تتزايد اضافة الي كفاءتها وقدرتها على تطوير نفسها التي تتضاعف يوما بعد يوم تفرض علينا ضرورة الاحاطة بما يمكن انًتؤثرر في حياة البشر الوظيفية والأخلاقية والأمنية والثقافية.
إذا كانت الآلات قد أصبحت واعية الي هذا الحد هل يمكن أن تحل محل البشر؟ هل سيؤثر عليهم؟ وفي اي اتجاه هل بشكل ايجابي داعم ام سلبي؟ هل “سيولد عالما متحولا و مختلفا عن اليوم ؟ الإجابة على هذه الأسئلة موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.