تعثر يعقبه تعافٍ.. مجلس الوزراء يستعرض تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية على مدار قرن

تعثر يعقبه تعافٍ.. مجلس الوزراء يستعرض تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية على مدار قرن
«الكساد الكبير» يضرب العالم عام 1929.. وأزمة سيولة تهز الأسواق الأمريكية وانهيار البورصات العالمية عام 2008
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريراً تحت عنوان «الأزمات الاقتصادية.. تعثر يعقبه تعافٍ»، سلط فيه الضوء على مجموعة من الأزمات الاقتصادية على مدار قرن تقريباً، بداية من أزمة الكساد الكبير (1929 - 1933)، وصولاً للأزمة الروسية - الأوكرانية التى ما زالت مستمرة وتُلقى بظلالها على العالم بأسره. وأشار التقرير إلى أن العالم قد عانى العديد من الأزمات الاقتصادية خلال القرنين الماضى والحالى، ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولى فقد حدث نحو 124 أزمة مصرفية، و208 أزمات عملة، ونحو 63 أزمة دَيْن عام و26 أزمة مزدوجة و8 أزمات ثلاثية، خلال الفترة (1970-2007).
أزمة الكساد الكبير (1929 - 1933)
شهد العالم عدداً من الأزمات الاقتصادية الكبرى، أهمها أزمة الكساد الكبير بين عامى 1929 و1933 حين انخفضت كمية السلع والخدمات المنتجة فى الولايات المتحدة بمقدار الثلث وبلغ معدل البطالة 25%، وانخفضت قيمة سوق الأسهم فى الأسواق الأمريكية 80%.
دول نجحت فى التعافى بمساعدة المؤسسات الدولية
هناك تجارب لبعض الدول التى استطاعت الخروج والتعافى من العديد من الأزمات بمساعدة المؤسسات الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والشركاء الدوليين، ومن أهم تلك التجارب الرائدة كوريا الجنوبية، حيث بلغ حجم الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية لديها عام 1997 نحو 20.47 مليار دولار، مقارنة بنحو 34.16 مليار دولار عام 1996، كما بلغ حجم القرض من صندوق النقد الدولى عام 1997 على مدى ثلاث سنوات 21 مليار دولار، وإندونيسيا التى بلغ معدل الانكماش الاقتصادى فيها عام 1998 نحو 13.1% كما بلغ حجم القرض من صندوق النقد الدولى فى يوليو 1998 على مدى ثلاث سنوات حوالى 11.4 مليار دولار أمريكى، وتايلاند؛ حيث بلغ معدل الانكماش عام 1997 نحو 2.8% وإجمالى حزمة المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف خلال عام 1997 نحو 17.2 مليار دولار أمريكى، واليونان؛ حيث بلغ معدل الانكماش الاقتصادى عام 2011 نحو 10%، وبلغ إجمالى حزم الإنقاذ المقدمة من الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى بين عامى 2010 و2015 حوالى 261 مليار دولار.
الصدمة النفطية الأولى (1973)
خلال حرب أكتوبر عام 1973 حدثت الصدمة النفطية الأولى، حين قررت ست دول عربية فى المنظمة العربية للدول المصدّرة للبترول (أوابك) رفع أسعار النفط من 3.01 دولار إلى 11.65 دولار للبرميل، وقد ترتب على هذه الصدمة النفطية ظواهر جديدة أثرت فى الاقتصاد الدولى، أهمها تغيُّر موازين القوى بين الولايات المتحدة من ناحية ومجموعة بلدان غرب أوروبا واليابان من ناحية أخرى، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة تكلفة الطاقة بشكل واضح فى المجموعة الثانية التى تعتمد إلى حد كبير على النفط المستورد مقارنة بالولايات المتحدة.
«كورونا».. والانكماش الاقتصادى 2020
تعرَّض الاقتصاد العالمى لعدة تأثيرات مع بدء انتشار جائحة كورونا فى عام 2020، ونتج عن هذه الأزمة خسائر فى الأرواح والاقتصاد، كما كان للقيود التى فُرضت لكبح انتشار الفيروس تأثير على النمو الاقتصادى، ولكن تعافى النمو سريعاً وحقق معدلات عالية، حيث وصل النمو فى عام 2021 إلى 5.2% لكن هذا النمو لم يدم طويلاً، حيث بدأت الأزمة الروسية- الأوكرانية التى نتج عنها أشد أزمة طاقة تشهدها الاقتصادات المتقدمة منذ سبعينات القرن السابق، وارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق، واتجاه البنوك المركزية الكبرى نحو تشديد السياسات النقدية، وعاد النمو مرة أخرى للانخفاض، فوصل عام 2022 إلى 2.4%.
الأزمتان المكسيكية والآسيوية (1995 و1997)
حدثت الأزمة المكسيكية فى النصف الثانى من القرن العشرين، حيث واجهت المكسيك أزمات اقتصادية متعددة، لعل أبرزها عام 1994 حيث أدى الانخفاض القوى فى قيمة البيزو إلى أزمة القطاع المصرفى، حيث بلغ معدل انكماش اقتصاد المكسيك 10%، وارتفع معدل البطالة فى المكسيك عام 1995 إلى 6.2%.
كما أبرز التقرير الأزمة الآسيوية، حيث بدأت فى عام 1997 أزمة العملة فى تايلاند، وسرعان ما تطورت إلى أزمة مالية واقتصادية، وانتشرت إلى بلدان أخرى فى المنطقة، وانخفضت أسعار العملات والأصول فى معظم البلدان.
السيولة تهز الأسواق الأمريكية (2001)
أدى تدمير البنية التحتية المادية الداعمة للمؤسسات المالية فى مركز التجارة العالمى خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 وانهيار الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلى حدوث اضطرابات فى الأسواق المالية بالولايات المتحدة، وتم إغلاق أسواق الأسهم الأمريكية لمدة أربعة أيام.
وعلى الرغم من ذلك كان رد فعل مجلس الاحتياطى الفيدرالى على الآثار المباشرة للهجمات هو توفير السيولة للشركات والأفراد، وحث الاحتياطى الفيدرالى على إعادة هيكلة القروض للمقترضين الذين يعانون من مشكلات السيولة المؤقتة، وللمساعدة فى إعادة الهيكلة وفر بنك الاحتياطى الفيدرالى سيولة إضافية.
مخاطر متوقعة بسبب الأزمة الروسية - الأوكرانية
بالنسبة للمخاطر العالمية المتوقعة بين عامى 2023 و2033، أشار التقرير إلى أن الفترة الأولى من هذا العقد اتسمت بوجود تخبط واضطرابات. فبعد العودة إلى الوضع الطبيعى الجديد فى أعقاب جائحة كورونا سرعان ما حدثت الأزمة الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى ظهور موجة جديدة من الأزمات فى الغذاء والطاقة، ما أثار مشكلات سعت العديد من الدول إلى حلها، وفى بداية عام 2023 أصبح العالم يواجه مجموعة من المخاطر ظاهرها مألوف، ولكن من حيث النوع والتأثير والشكل والانتشار تُعتبر جديدة تماماً. وتتمثل تلك المخاطر فى التضخم وأزمات تكلفة المعيشة والحروب التجارية، وانخفاض معدلات الاستثمار العالمى، وتراجع العولمة، وتراجع معدلات التنمية البشرية بعد عقود من التقدم، والضغوط المتزايدة بسبب تأثيرات تغير المناخ، كل هذه العناصر اجتمعت وتقاربت مع بعضها لتشكل مخاطر وأزمات مألوفة من حيث الشكل، ولكن بمضمون جديد تماماً. ونوه التقرير باتساع الشقوق الجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية وإثارة الأزمات القادمة وتفاقمها.
«الاثنين الأسود» محطة مهمة.. و«كورونا» و«الحرب الأوكرانية» تقصمان ظهر الدول النامية
الديون المصرفية والاثنين الأسود (1979 - 1982)
شهد العالم أزمة الديون المصرفية، حيث أدت سلسلة من الصدمات الخارجية من منتصف عام 1979 إلى منتصف عام 1982 إلى حدوث تناقضات فى السياسات والصراعات فى البلدان الصناعية، تطورت إلى أزمة مالية واسعة النطاق، أولاً فى أوروبا الشرقية، ثم فى أمريكا اللاتينية، وأخيراً فى بقية العالم النامى، وفى عام 1982 بلغ إجمالى القروض المستحقة على دول أمريكا اللاتينية 327 مليار دولار، وبلغ إجمالى الدول غير القادرة على سداد الديون 67 دولة. وأضاف التقرير: «أما أزمة انهيار سوق الأسهم -أول أزمة مالية عالمية معاصرة- فقد اندلعت فى 19 أكتوبر 1987، وهو اليوم المعروف باسم «الاثنين الأسود»، وهى لا تزال أكبر خسارة فى سوق الأسهم ليوم واحد فى التاريخ منذ الكساد الكبير، حيث بلغ تراجع مؤشر داو جونز الصناعى 22.6%، وتراجع مؤشر 500 s&p إلى 20.4%.
المشكلات أمر طبيعى فى الدورة الاقتصادية
تقرير مركز المعلومات أكد فى نهايته أن وجود أزمات هو أمر طبيعى ومنطقى فى الدورة الاقتصادية، فأى اقتصاد يمر بمراحل ازدهار ومراحل اضطراب، فيما يُعرف بإعادة التوازن، والمهم ليس المرور بأزمة أو اضطراب، بل المهم هو التغلب على هذه الأزمة وخلق فرص وطرق جديدة تساعد الاقتصاد على النهوض وتبنِّى سبل جديدة تعزز النمو والازدهار، وهناك تجارب كثيرة لاقتصادات متنوعة استطاعت تحويل الأزمة إلى فرصة مكّنتها من تحقيق طفرة اقتصادية وتنموية. وأضاف أن من الأهمية لأى اقتصاد التكيف مع التغيرات التى يشهدها الاقتصاد العالمى وخلق مكانة فارقة فى الاقتصاد العالمى، فعلى الرغم من أن الأزمة قد تؤدى إلى تدهور اقتصادات وتحولها من غنية إلى فقيرة، يمكن أن تستغل الدول النامية والاقتصادات الناشئة الأزمة لتعيد حساباتها وتقوم بإصلاحات حقيقية.
انهيار بورصات أوروبا وأمريكا (2008)
واجه العالم فى عام 2008 أزمة مالية عاتية هزت أكبر اقتصادات العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، وفقدت معظم بورصات العالم ما يتراوح بين ثلث ونصف قيمتها، وحتى سبتمبر 2008 كانت استجابة السياسة الرئيسية للأزمة تأتى من البنوك المركزية التى خفضت أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادى الذى بدأ يتباطأ فى أواخر عام 2007، وتصاعدت استجابة السياسة فى أعقاب انهيار بنك «ليمان براذرز». وأشار التقرير إلى أزمة نوبة الغضب التدريجى والارتفاع المفاجئ فى عوائد سندات الخزانة الأمريكية خلال عام 2013، حيث انخفضت تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة بمقدار 30%، كما انخفض مؤشر msci للأسواق الناشئة بمقدار 12%، ولكن لم يبطئ بنك الاحتياطى الفيدرالى فعلياً شراء التيسير الكمى.