الإمام أحمد بن إدريس.. ذريته تسير على دربه ومسجده منارة للعلم

كتب: سعيد حجازى

الإمام أحمد بن إدريس.. ذريته تسير على دربه ومسجده منارة للعلم

الإمام أحمد بن إدريس.. ذريته تسير على دربه ومسجده منارة للعلم

يحظى الإمام أحمد بن إدريس بمنزلة كبرى لدى المتصوفين، فيعد أحد أقطاب التصوف فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر الهجرى، انتشر منهجه حول العالم بفضل تلاميذه، ويعود نسبه إلى السادة الحسنية الإدريسية القاطنين بالمغرب، أحفاد الإمام إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر بن عبدالله المحض «الكامل» ابن الإمام الحسن المثنى ابن الإمام الحسن ابن الإمام على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء بضعة رسول الله.

البشير الأزهرى: يعد خاتمة العلماء المحققين وكان فى شبابه إماماً فى جميع علوم الظاهر

ولد عام 1797 ميلادياً، بـ«ميسورا» بالمغرب العربى، وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم فى مسجد القرويين، وبعد ذلك توجه إلى «فاس» بالمغرب لطلب العلم، وتحصّل على قسم عظيم من العلوم الظاهرية، وبرع فيها، وأذن له بالتدريس من مشايخه، وصار يحضر دروسه أفاضل مشايخ العصر.

وبحسب تلميذه الإمام محمد بن السنوسى فى كتابه «الشموس الشارقة»، فقرأ «بن إدريس» الفقه والتفسير والحديث على يد جماعة محققين منهم الأئمة عبدالكريم اليازغى و«بن شقرون» و«بن كيران» ومحمد المجيدرى الشنقيطى و«بن سودة» التاودى.

طلب الإمام «بن إدريس» طريق التصوف، فأخذه عن أهله ذوقاً وإشراقاً، فأخذه على يد الشيخ المجيدرى، ثم نقله شيخه ليتتلمذ على يد الشيخ عبدالوهاب التازى، تلميذ الشيخ القطب عبدالعزيز الدباغ، فأخذ عنه، ولازمه حتى توفى، وأخذ بعده عن سيدى أبى القاسم الوزيرى بإذن خاص، وكان «أبوالقاسم» من أكابر العارفين، وله نفس عالٍ فى علم الحقائق.

وبعد وفاته لم يؤذن له بصحبة أحد من الأشياخ إلا بمعانقة القرآن، فاشتغل به، ولازمه إلى أن بدا له سره، وحل طلاسمه ورموزه، وأذن له بعد ذلك فى مقابلة الأشياخ، والتجوال فى البلدان، فأخذ عن شاذلى وقته مولانا العربى الدرقاوى، وابن خالة قطب أهل المغرب سيدى أحمد التجانى.

سافر «بن إدريس» إلى مصر ودخل الإسكندريه ثم القاهرة ثم إلى صعيد مصر، ثم اتجه إلى مكة، فأقام نحو ثلاثين سنة، وفى مكة، أخذ عنه صلحاؤها، كما أنه سافر للمدينة، والتقى هناك بالعلماء، ومن جملة من أخذ عنه عالم مكة بأسرها الشيخ محمد عابد السندى، ومن أهل المدينة العلامة الشيخ محمد بن حسن ظافر، شيخ علماء وقته، الشهير بالمناقب المأثورة، المتفق على جلالة قدره، من هو لكلِّ العلوم حاوٍ، سيدنا الشيخ أحمد الصاوى.

عاد الإمام «بن إدريس» إلى مصر، وبقى بها مدة وله فى صعيد مصر ذرية من ولده الإمام عبدالمتعال الإدريسى، وله مسجده المؤسس فى الأقصر بقرية الزينة، حيث ألقى الدروس هناك، كما أنه أعطى دروساً بالجامع الأزهر، ثم استقر الإمام بـ«صبيا» باليمن ومات ودفن هناك عام 1837 ميلادياً.

قام أحد مريديه بجمع بعض كلامه وآرائه ومروياته فى كتاب سماه «العقد النفيس»، وجمع أيضاً «مجموعة الأحزاب والأوراد».

أسس «بن إدريس» الطريقة الإدريسية المعروفة أيضاً بـ«الأحمدية الإدريسية»، وتنتشر الطريقة الإدريسية فى اليمن والحجاز والشام ومصر والسودان وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة ودول البلقان، وللإمام ثلاثة تلاميذ أساسيين هم محمد بن على السنوسى، مغربى تعود أصوله للجزائر وأسس الطريقة السنوسية فى ليبيا، ومحمد عثمان الميرغنى من عائلة بارزة فى المدينة المنورة.

أسست أسرته الطريقة الختمية فى السودان وأريتريا، والثالث إبراهيم الرشيد، سودانى، يعد أحد أقرب ثلاثة ثلاميذ من أستاذه، ومنه تفرع عدد من الطرق هى الصالحية بالصومال والدندراوية بمصر والصومال، كذلك من تلاميذه القطب الصوفى سيدى الشيخ صالح الجعفرى، إمام الجامع الأزهر الشريف، الذى حقق تراث شيخ الشيوخ السيد الإمام أحمد بن إدريس وقام على نشره.

وذكر العلامة محمد البشير ظافر الأزهرى فى كتابه «اليواقيت الثمينة» أن الإمام «بن إدريس» خاتمة العلماء المحققين صاحب العلم والتدريس الحسنى، أخذ علوم الظاهر عن أكابر علماء أهل عصره وجهابذة أهل وقته، حتى صار فى أوان شبابه إماماً فى جميع علوم الظاهر، فكان يتكلم فى علوم التفسير والحديث بما يبهر العقول من أنواع العلوم والبلاغة وحسن التعبير.

وله قوة فكر فى أخذ الدليل من الكتاب والسنة استنباطاً وانتزاعاً، ولم يكن له فى زمانه من يدانيه فى الحفظ وملكة الاستحضار، فكان جامعاً بين الشريعة والحقيقة، له الباع الطويل فى جميع العلوم، والشهرة التامة فى علمى القرآن والحديث رواية ودراية، كشفاً وتحقيقاً، وأخذ عنه العلماء الأعلام أئمة العصر كالسيد عبدالرحمن الأهدلى، مفتى زبيد، والشيخ محمد عابد السندى، صاحب الثبت فى الأسانيد وغيرهما.

قال تلميذه محمد بن على السنوسى: ما اتخذناه شيخاً وإماماً أياماً معلومة مقيدة بالحياة، وإنما اتخذناه شيخاً وإماماً وحجة فيما بيننا وبين الله دنيا وأخرى.

وقال تلميذه محمد عثمان الميرغنى: لو علمت أن حلقومى يجرع الماء وشيخى غير راضٍ عنه لقطعته. وقال تلميذه السيد عبدالرحمن بن سليمان الأهدل مفتى زبيد، اليمن: تتلمذ له كل عالم نحرير، وكانت كفه للفتوى عوضاً عن التحرير.

للإمام الإدريسى مؤلفات عدة منها: «كيمياء اليقين»، «الفيوضات الربانية»، «حظيرة التقديس»، «المنتقى النفيس»، «روح السنة»، «رسالة القواعد»، وقد نُشرت بتحقيق الشيخ صالح الجعفرى، كذلك له الصلاة العظيمية المشهورة، وله أيضاً الصلوات الأربع عشرة وكذلك الأحزاب الخمسة والمحامد الثمانية.

ومما كتبه العلامة القاضى الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهانى، الفقيه الصوفى اللبنانى، رئيس محكمة حقوق بيروت، فى كتابه «جامع كرامات الأولياء»: «بن إدريس» من أعظم كراماته التى لا يفوز بها إلا الأفراد اجتماعه بالنبى، وأخذه عنه شفاهة أوراده وأحزابه وصلواته المشهورة.


مواضيع متعلقة