مَن قال إن الإنسان خُلق ليعيش في جنة سعيداً منعَّماً، لا يعاني من شيء يعكر صفو حياته، أو ينغِّص أوقاته؟! ومَن يزعم أن الله أهبط «آدم» من الجنة إلى جنة أخرى يعيش فيها؟!
للأسف.. يتصور كثيرون أن هذه الحياة ينبغي أن تكون جنة بمقاييسهم هم، وليس بمقاييس الحقيقة والواقع، أو بالأحرى، كما أراد لها خالقها أن تكون.
«لَقْد خَلَقْنَا الإنسانَ فى كَبَد»، هكذا يقول الله تعالى في كتابه العزيز، واصفاً حياة مخلوق سوَّاه بيده، ونفخ فيه من روحه، بأنه جعل حياته دار اختبار وابتلاء، وتعب وشقاء.. فهناك مَن يكابد في سبيل الحصول على «لقمة العيش»، ومن يملك القوت أو المال يُكابد في الحفاظ عليه وتنميته، فقد فُطر الإنسان على حب المال كما قال الله تعالى: (وتُحبُّونَ المالَ حُباً جَمّاً)، فلا يدَّعِينّ أحد كراهيته للمال.. وهناك مَن يكابد في سبيل الحصول على الولد والذرية، ومن لديه الذرية يشقى ويتعب راجياً حسن تربيتهم والإنفاق عليهم.. فالجميع في «دائرة الكبد والمعاناة»، ولكن على أنواع.
لو أنَّك خلوتَ بنفسك وجلست في مكان مفتوح لتستمتع ببعض الوقت بعيداً عن الناس، فربما صاحبتك ذبابة نغَّصت عليك ذلك الوقت، ولربما تساءلت: لماذا خلق الله الذباب؟ بل إن هذه الذبابة أيضاً ربما تراك منغِّصاً لحياتها، وتتساءل هي أيضاً: لماذا خلق الله هذا الإنسان؟!
إننا في هذه الحياة خُلقنا لهدف أسمى، لكننا ننسى: «وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدونِ»، ولو أننا فهمنا فلسفة هذه الحياة، وأيقنا أن من ضمن هذه العبادة السعى في الأرض، وطلب الرزق، والصبر على البلاء والشقاء في هذه الدنيا، لأدركنا أن قمة السعادة في الرضا بما قسمه الله، والتوكل عليه، والأخذ بالأسباب التي وضعها لتعمير هذا الكون الفسيح.. وتذكير النفس دائماً بخالقها، وعدم الإعراض عنه؛ فالإعراض عن الخالق هو عين الشقاء والضنك.. «ومَنْ أعرضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشةً ضنكاً ونَحشُره يومَ القيامةِ أعمى».. والله ولي التوفيق.