«نتنياهو» يقود «انقلابا» على الديمقراطية

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

المظاهرات الحاشدة التى تجتاح إسرائيل، وخصوصاً فى مدينة القدس والشوارع المحيطة بالمحكمة العليا والكنيست التى تحولت إلى بحر من الأعلام الإسرائيلية، تأتى فى مواجهة مشروع قانون الإصلاح القضائى المقدم إلى الكنيست من أجل القراءة الأولى من بين ثلاث قراءات، على الرغم من دعوات كثيرة أطلقها الرئيس الإسرائيلى إسحاق هورتسوغ والولايات المتحدة الأمريكية لتأجيل التشريع والتفاوض بشأنه.

فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنه ماضٍ فى خطته لـ«إصلاح القضاء»، متحدياً المعارضة الواسعة لهذه الخطة التى قادت إلى انتقادات غير مسبوقة ومظاهرات واسعة فى إسرائيل.

وقال نتنياهو إنه حصل على تفويض من الجمهور لإجراء هذه التغييرات فى «نظام العدالة وإنفاذ القانون»، ولا بد من تطبيقها، غير أن المظاهرات الحاشدة وأسابيع من الاحتجاجات تدحض هذه الرواية.

يسعى الائتلاف الحاكم فى إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو لإجراء أكبر عملية إصلاح شامل للنظام القانونى منذ تأسيس إسرائيل من وجهة نظره، وستسمح هذه التغييرات الأكثر أهمية للأغلبية البسيطة فى الكنيست بإلغاء أحكام المحكمة العليا.

كما تسعى الإصلاحات أيضاً إلى تغيير طريقة اختيار القضاة، وإقالة الحكومة للمستشارين القانونيين للوزارات الذين يتمتعون بآراء ملزمة، وقد دافع نتنياهو عن الإصلاح القضائى خلال كلمة ألقاها أمام مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى بأن إسرائيل ديمقراطية، وستظل ديمقراطية مع حكم الأغلبية والضمانات المناسبة للحريات المدنية، وأن جميع الديمقراطيات يجب أن تحترم إرادة الشعوب كما نحترم قراراتها الديمقراطية!

كلام نتنياهو لا يتسق مع الواقع فى إسرائيل الرافض لهذه الإصلاحات التى يراها نتنياهو، فحكومته التى تضم عتاة القوميين والمتطرفين الأرثوذكس اليهود، والتى وصفت من كافة الطيف السياسى فى إسرائيل بالحكومة الأكثر يمينية فى التاريخ، لم يتوقف سيل الانتقادات الموجهة لها، فضلاً عن التحذيرات الأمريكية والأوروبية لنتنياهو بسبب أفعاله التى قد تدفع نحو انفجار الشارع الإسرائيلى.

إصرار نتنياهو على استخدام غالبية فى الكنيست لتعديل جوهر الحكم بإضعاف السلطة القضائية المستقلة وتقوية الحكومة على المحاكم والخدمة العامة، هى تقويض للديمقراطية التى يتحدث عنها، بل تشكل انقلاباً عليها، فبعد أن تمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف من الأحزاب اليمينية والشديدة التعصب فى حكومته الأخيرة.

يعقد العزم على الترويج لحملة خاطفة من الإصلاحات الدستورية، التى ستحول إسرائيل لدولة استبدادية خاضعة لحكم الفرد، بدلاً من إعادة الاستقرار إلى النظام السياسى المختل، وهذا من شأنه أن يمكن الحكومة من تعيين القضاة بمن فى ذلك قضاة المحكمة العليا من جانب واحد، ويسمح للكنيست (البرلمان) المكون من 120 مقعداً، بإبطال قرارات المحكمة العليا بالأغلبية البسيطة، إذ تعتمد إسرائيل بشكل كامل على مجموعة من القوانين الأساسية، بدلاً من دستور رسمى لتعريف وحماية الحقوق المدنية.

هذا الإصلاح يعنى تجريد المحاكم من سلطتها فى نقض القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، وهذا يعنى أن الإصلاح الذى يطرحه نتنياهو، يقوض مبدأ الفصل بين السلطات، بالإضافة إلى أنه يزيد من ضعف استقلال القضاء، من خلال تمكين وزراء الحكومة من تعيين وعزل مستشارى الحكومة القانونيين، الذين يجرى تعيينهم من خلال عملية تنافسية غير مسيَّسة، وتكون مشورتهم ملزمة، مما يجعلهم حراساً قادرين على الوقوف ضد الفساد التنفيذى ونزوات المسئولين.

سياسة التضليل التى يتبعها نتنياهو لتمرير مشروع القانون، يقف له المحتجون الإسرائيليون بالمرصاد، لكن ربما يستطيع تمريره رغماً عنهم، بدعم من اليمين الصهيونى الذى يسانده داخل الكنيست والحكومة، وقد استشعرت رئيسة المحكمة العليا «استر حايوت» الخطر فهاجمت نتنياهو بحدة وغضب، معلقة على خطة الحكومة الجديدة لإصلاح النظام القضائى والقانونى، حين أشارت للقانون بأنه سيوجه ضربة قاضية للهوية الديمقراطية للبلاد.

ويعطى الكنيست الحقوق المدنية الأساسية، وفى المقابل يحرم المحاكم من الأدوات اللازمة لتكون بمثابة ضابط للسلطة التنفيذية، كما أنه هجوم جامح على النظام القضائى، وكأنه عدو يجب مهاجمته وإخضاعه؟ مشيرة إلى أن هذه الخطة تأتى لسحق نظام العدالة، وضربة قاتلة موجهة لاستقلال القضا واسكاته.

من المعروف أن نتنياهو يحاكم منذ أعوام بتهم فساد وخيانة للأمانة، وهذه التدخلات الحكومية لتغيير تركيبة القضاء وصلاحياته، من شأنها أن تكون مفيدة لنتنياهو، الذى يسعى لتقويض الجهاز القضائى والمحكمة العليا، بغرض إلغاء محاكمته.

لكنها خطيرة على إسرائيل، وهناك من اعتبرها بمثابة «الانقلاب السياسى» الذى يمهد إلى تغيير جوهر نظام الحكم فى إسرائيل.

وكان الإعلام الإسرائيلى قبيل إعلان نتائج الانتخابات العامة التى فاز بها نتنياهو للمرة السادسة برئاسة الحكومة، قد حذرت، وربما استشرفت ما سيحدث، عندما تساءلت بوضوح عن مصير التهم التى يواجهها نتنياهو فى ملفات الفساد وخيانة الأمانة، وما إذا كانت ستستمر محاكمته وهو يعتلى منصب رئيس الحكومة؟ أم أن التهم الموجهة إليه بالفساد ستغلق إلى الأبد بطريقة ما؟!.