يوم الاثنين 6 فبراير 2023، ومع إشراقة النهار، سمعنا وشاهدنا أخبار كارثة حلََّت بكل من تركيا وسوريا، فقد ضربهما زلزال قوىّ بلغت شدته 7.9 درجة، وخلَّف عدداً كبيراً من الضحايا ما زال فى تصاعد، حيث وصلت حصيلة القتلى حتى الساعة إلى نحو 45 ألف قتيل، فضلاً عن إصابة الآلاف، وتشريد الكثيرين، كما ترك صوراً من الخراب لن تُمحى من الذاكرة.
خضع الجميع لهذه الفاجعة، وهذا هو حال الإنسان الضعيف أمام الكوارث الطبيعية المدمرة.. (وخُلقَ الإنسان ضعيفاً)، وإن كابرَ وظنَّ بنفسه القوة.
أظهر اهتزاز الأرض من تحت الأقدام هشاشة وضعف كل ما صنعه البشر من أشياء ادَّعوا أنها منجزات، فما لبثت أن انهارت فى ثوانٍ، مع ما تحمله من قوة علمية وتطور فى المعمار؛ ليصير كل ما فوق التراب هناك تراباً، ويبدو الإنسان عاجزاً أمام ظاهرة طبيعية تحدث تلقائياً، وفق قوانين ثابتة من لدن الخالق العظيم منذ نشأة هذا الكون.. وصدق الله القائل فى كتابه العزيز: «حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
إن ذلك الكائن البشرى، الذى يحتمى بترسانة أسلحته الفتاكة يبدو عاجزاً عن السيطرة على كل ما شيَّد.. لكنه يصر على سيطرته على بنى جنسه فوق هذه الأرض.. يتفنن فى محوهم، ويبرع فى إبادتهم، لكنه لا يقدر على ترويض عاصفة قادرة على اقتلاع حياته بكل ما فيها.. أو استئناس بركان قرر الفوران وحرق البيئة.. أو يهدئ الأرض التى اهتزت لثوانٍ من تحت رجلَيه ثم عادت لطبيعتها، بعد أن دمرت كل ما عليها.
فى ظنِّى أن هذه الزلازل تحمل وجهاً مختلفاً، ربما لا ينتبه إليه كثيرون، وهو «تعظيم قيمة الروح»، حيث نتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أهم ما فى هذا الكون حقيقة هى «الروح»، التى هى من أسرار الله «قلِ الروحُ مِن أمرِ ربى».. تنهار المبانى والأبراج، وتتحطم المعدات والصروح العملاقة، لكن يصير شغلنا الأهم هو البحث عن «إنسان» أسفل الركام، ما زالت تدب فيه الحياة، فلا شىء يمكن أن يعوضنا عن خسارة أى روح.. حتى أرواح القطط والكلاب.
وكأن الله -سبحانه وتعالى- يرسل هذه الكوارث الطبيعية لتمسح على رؤوس الناس، الذين أتعبتهم مادية الحياة، وجعلتهم تروساً فى آلات عملاقة، ربما لتقول لهم: «تمهَّلوا.. فكل ما أتعبتم أنفسكم فى تشييده لا يساوى روحاً واحدة خلقها الرحمن».
إن أعجب ما نراه فى تلك الكوارث ليس الموت الذى تحمله، فالموت طبعاً هو الثابت الوحيد فى هذا الكون؛ لكن العجيب فعلاً هو تلك البوابة المرعبة التى تفتحها بين الموت والحياة.. بوابة يقف الأحياء على عتباتها بصحبة موتاهم ورحيل أحبابهم.. فيشهد الأب وفاة ابنه، وتشهد الزوجة وفاة زوجها، ويفقد المحب حبيبه، والصديق صديقه، ويخسر الجار جاره.
إن الكوارث تجرى بمقادير الله، لا شك، لكنها بوابة ينظر منها الإنسان إلى حقيقته، وحقيقة عالمه، ليشهد عظمة الخالق، الذى صوَّره وأبدع خلقه وأحسنه.. «فتبارك الله أحسن الخالقين».