هل جربت أن تقصد ماكينة صراف آلي فتجد رسالة على شاشتها تبلغك أنها خارج نطاق الخدمة؟ ماذا إذا توقفت الآلة عن العمل فجأة بينما بطاقة الائتمان الخاصة بك داخلها بالفعل، أي الموقفين سيكون أكثر إزعاجاً بالنسبة لك؟
قد تبدو تلك التساؤلات باعثة على الدهشة لديك عزيزي القارئ، خاصة حين تدرك أنها استهلال لمقالٍ اجتماعي يُنشر يوم الرابع عشر من فبراير، بينما عواصم العالم بكاملها تصطبغ باللون الأحمر ابتهاجاً بعيد الحب، أو الفلانتين، ولكن امنح نفسك الوقت لتعرف مقصدي من خلال السطور التالية، ثم تشاركني الرأي أو تختلف.
من المنطقي أن تكون الرسالة التي تخبرك بها ماكينة الصراف الآلي مسبقاً أنها لا تعمل، صادمة ومزعجة في توقيتها، خاصة إذا كان ذلك سيدفعك للبحث عن أخرى أبعد، إلا أنها في واقع الأمر توفر عليك الكثير من الوقت والجهد والأعصاب مع آلة لا يمكن أن تؤدي الوظيفة المطلوبة، أو ليس لديها ما تقدمه لك، هذا مقارنة بماكينة أخرى تستقبل البطاقة، ثم تتعطل ولا تمنحك ما تريد، وربما تستهلك الوقت انتظاراً لخروج البطاقة ثانية، أو يكون عليك زيارة البنك في اليوم التالي لاستعادتها.
ماذا عن البشر؟ يمكننا أن نربط بين رسالة تنبيه ماكينة الصراف الآلي، والمصطلح الذي تستخدمه الأجيال اليافعة حالياً لتكون بمثابة «الريد فلاج» أو الراية الحمراء، التي تشير وفق الجانب الإنساني إلى وجود صفات لدى الطرف الآخر، يغلب عليها الجانب السيء، تحمل في طياتها تحذيراً من وجود خلل قد يؤدي إلى فشل هذه العلاقة، وبالتالي عدم جدوى استكمالها، واستهلاك الروح والمشاعر بلا طائل، أو الاحتياج على الأقل لمزيد من الحيطة والحذر قبل تكوين رأي نهائي في هذا الشريك.
هذه الصفات غير الإيجابية التي تظهر لدى الطرف الآخر، سواء في نسق التفكير أو نمط السلوك، هي بمثابة رسالة تنبيه هي الأخرى، لا يمكن بنظرة قاصرة أن ننزعج منها، ونغرق في مشاعر سلبية نستشعر فيها الفشل في رابطة حب لم تتم أو ارتباط لم يكتمل، فالأحرى أن ننظر لها بعين الاهتمام قبل التورط في علاقة تحمل في الواقع بذور فشلها، فلا يمكننا المغامرة بالسباحة في شاطئ ونتغاضى عن تحذير بأن الموج مرتفع، أو تكبد مشقة تجربة قطعة ثياب مقاسها بالفعل لن يناسبك، فقط لكونها تجذبك، حيث ستصل الى ذات النتيجة المعروفة مُسبقاً، ان اختيارك لا يصلح.
فلا يمكن مثلاً تجاوز إشارات بأن الطرف الآخر يعيبه الشك، إذا كان شريكه ينشُد الثقة، أو عدم الاكتراث لكون أحد الطرفين ذو شخصية «تابعة» في الوقت الذي يُجب أن يكون مسؤولاً في علاقة جادة، وربما تجنب الاهتمام بكون الشخص أنانياً لا تعنيه احتياجات الآخرين، ثم انتظار العطاء في المشاعر والاهتمام، أضف إلى ذلك أن يكون لا يتوق لتجربة الأبوة سريعاً أمام طرف يتلهف لمشاعر الأمومة، والأمثلة كثيرة لا يمكن اختزالها في هذه الحالات فقط، ولذا فهناك إشارات لا يمكن التغاضي عنها، شريطة أن يكون الحكم عقلانياً لا تتجاذبه مشاعر مُفرطة أو مبني على موقف واحد.
إذاً عزيزي القارئ.. هل يكون الأنسب أن تتضح لك العيوب وأنت مازلت على بر آمن، أم تواجه شريكاً يتجمل بمشاعر مصطنعة، سرعان ما يتضح زيفها؟
ماكينة الصراف الآلي كالإنسان، كلاهما تقصده بحثاً عن احتياج ما، وإذا كنت تنتظر النقود من هذه الآلة الصماء، فإنك تنشد من البشر العطاء، فلا تنزعج من إشاراتٍ تُخبرك مُسبقاً أن ما تنشُده لن تجده، فذلك يوفر عليك مشقة الحرث في أرض بور، أو السير أميالاً في غير الوجهة التي تقصدها، حينها ستتحمل نتيجة اختيارك، دون أن يفيدك أن تزعم كما شدت أم كلثوم: «ولكني شقيت بحسن ظني».