في زمن الأزمات والشدائد، يصطاد البعض في الماء العكِر، مستغلين حالة الاضطراب وعدم ثبات الأسعار.. لـ«يضرب» هؤلاء في «المواطن»، دون وازعٍ من دين أو ضمير، أو حتى إنسانية.
فمثلاً: البقال الذى يبيع «علبة الشاى» في الصباح بسعر.. وفي العصر بسعر.. وآخر النهار بسعر، هل يتابع أسواق المال وسعر صرف الدولار، أم إن السلعة لديه فى غرفته المظلمة بسعر واحد؟!.. لكنه الجشع ليس إلّا!
وهذا المزارع الذي حصد محصولاً من أرضه اليوم، وبمجرد أن علم بغلاء الأسعار يزيد أسعار محصوله الضعف، هل يقف أمام الشاشات منتظراً تقلُّب الأسعار.. أم إنه الجشع ليس إلاً؟!
للأسف.. حينما تُقدم على شراء سلعةٍ ما، تجد لها أكثر من سعر، وبين ذلك فوارق عجيبة، حينها تتساءل: ما الفرق؟ يتبادر إلى ذهنك «الجودة»، كما نسمّيها، فتدرك الحقيقة المرَّة أنه لا فرق بينها، لكنه الضمير يا سادة! هنا تتساءل: أين الصدق؟ فيجيبك أحدهم: «التجارة شطارة»، أي شطارة هذه؛ الربح دون سقف، أم لذلك حدود؟ مع مراعاة جهل المشتري، وعدم تغفيله، كما يُقال.
لقد عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتجارة قبل بعثته المباركة، وتاجر لـ«خديجة» -رضي الله عنها- وفي الأسواق، وباشر البيع بنفسه، وكان يأمر التجار بالبر والصدق والصدقة في معاملاتهم، فيقول عليه الصلاة والسلام: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما»، وخاطب التجار قائلاً: «إن التجار يُبعَثون يوم القيامة فجاراً، إلا مَن اتقى الله وبرَّ وصدق»، وكان يأمر بالسماحة واليسر في البيع والشراء؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، وكان -عليه الصلاة والسلام- يُحسن أداء الحقوق لأهلها فقال: «إن خياركم أحسنكم قضاءً»، ويحث على إقالة النادم قائلاً: «مَن أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة»، (الإقالة تعني: المسامحة والتراجع عن البيع أو الشراء).
وكان -عليه الصلاة والسلام- يساوم في الشراء، ولا يبخس الناس بضاعتهم، ويأمر برجحان الوزن، وإنظار المعسر قائلاً: «مَن أنظر معسراً أو وضع عنه أظلَّه اللّه في ظله»، وينهى عن التعامل بالربا، والغرر، والمحرمات، والغش..هذا هديُ نبينا -صلى الله عليه وسلم- في التجارة، وليس «الشطارة» و«فتَّح عينك تاكل ملبن.. والحدق اللي يعرف يجيب الجنيه».. وغيرها من الحجج الواهية، والمنطق الفاسد، لتبرير التربح على حساب آلام الناس ومعاناتهم.