«صناعة الطقس» العلم يصلح ما أفسده «تغير المناخ» (ملف خاص)

كتب: محمود العيسوى

«صناعة الطقس» العلم يصلح ما أفسده «تغير المناخ» (ملف خاص)

«صناعة الطقس» العلم يصلح ما أفسده «تغير المناخ» (ملف خاص)

الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية أصبحت واقعاً لا يمكن إنكاره، بعدما ضربت موجات الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات والأعاصير مناطق واسعة من العالم، فضلاً عن استمرار ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض، ما ينذر بمزيد من الأحداث المناخية المتطرفة، التى قد تصل إلى حد الكوارث، لتشكل أحد أكبر المخاطر لكوكب الأرض.

ولأن الجهود المبذولة لوقف تفاقم التغيرات المناخية، سواء على المستويات الدولية أو الوطنية، لم يمكنها كبح جماح خطر الاحتباس الحرارى، جرى اللجوء إلى وسائل غير تقليدية للتعامل مع أزمة المناخ باستخدام تقنيات «صناعة الطقس» التى تعتمد على «هندسة المناخ» لإحداث تغيير فى درجة الحرارة، وإعادة توزيع خرائط الأمطار، وكذلك خرائط المسطحات الخضراء.

ووفقاً للدكتور وحيد محمد مفضل، خبير الاستشعار عن بُعد بالمعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، فإن الوسائل المتبعة حالياً لمنع تفاقم تغير المناخ تتمثل فى عقد اتفاقيات دولية للحد من الانبعاثات، أو ابتكار طرق إنتاج مواد صديقة للبيئة، وتطبيق مفهوم «الاقتصاد الأخضر»، وغير ذلك من الحلول التى تعتمد على التخفيف من تأثيرات تغير المناخ، أو التكيف مع تداعياتها.

يوضح «مفضل» أن بعض العلماء بدأوا التفكير فى استخدام هندسة المناخ لتلطيف درجة الحرارة، من خلال التدخل فى حركة السحب، أو انعكاس أشعة الشمس، أو فى كميات الأمطار، وكذلك التدخل فى توزيع النباتات والطحالب التى لها القدرة على امتصاص غاز ثانى أكسيد الكربون، أو غير ذلك من العوامل الفاعلة فى ضبط درجة الحرارة على سطح الأرض.

5 تقنيات حديثة تثير الجدل.. فرص لإنقاذ الأرض والبعض يراها «جنون»

5 تقنيات لـ«هندسة المناخ»، تمت تجربتها بالفعل واستخدامها فى بعض الدول، رغم الجدل المثار حولها، وينقسم العلماء بين مؤيد لمشروعات صناعة الطقس بهدف وقف تفاقم التغيرات المناخية، ومعارض لتلك التقنيات التى قد تنجم عن بعضها عواقب غير متوقعة، ويعتبر البعض أنها «فكرة مجنونة على نحو مثير للسخرية»، ومن أبرز تلك التقنيات الاعتماد على توربينات عملاقة لالتقاط الكربون ونشر سحب كبريتية وغبار الحديد على سطح المحيطات وحقن الكبريت فى الغلاف الجوى وتصميم مرايا ودروع عاكسة لحجب أشعة الشمس بعيداً عن الأرض، من خلال إطلاق عدد كبير من البالونات العملاقة، على ارتفاعات عالية، ورشها بمواد عاكسة.

حقن الكبريت فى الغلاف الجوى

فى أعقاب انفجار بركان «بيناتوبو» فى الفلبين عام 1991، لاحظ العلماء انخفاض الحرارة على مستوى العالم بمقدار نصف درجة مئوية فى العام التالى، وتبين أن ثورة البركان صاحبها تصاعد نحو 20 مليون طن من غازات الكبريت فى الغلاف الجوى، التى شكلت سحباً حجبت بعض أشعة الشمس، مما أدى إلى انخفاض درجة الحرارة بمقدار يتجاوز نصف ما أفرزه الكوكب على مدار 130 سنة.

وبحسب ديفيد كيث، أستاذ النظم البيئية فى جامعة «كالجارى» بكندا، فإن حقن ثانى أكسيد الكبريت فى الغلاف الجوى، عن طريق الطائرات النفاثة «أمر سهل وغير مكلف»، إلا أن هذه العملية قد تنطوى على عواقب وخيمة ما زالت قيد التقييم، منها التأثيرات الضارة على الأنشطة الزراعية فى مناطق من أفريقيا وآسيا، كما أن تلوث الهواء بغبار الكبريت قد يكون قاتلاً، بالإضافة إلى أنه يضر بطبقة الأوزون.

تشجير وإنشاء غابات

تعتمد هذه الطريقة على إزالة التركيزات المرتفعة لغاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى عن طريق غرس المزيد من الأشجار، وإنشاء الغابات والمسطحات الخضراء، ورغم أن هذه الطريقة تبدو شديدة البساطة، فإنها تواجه كثيراً من التحديات، إذ إن مثل هذه المشروعات يجب أن تتم على نطاق واسع لتحقيق التأثير المطلوب، كما أن الأشجار تستغرق وقتاً طويلاً للنمو.

وبينما يبدى بعض الخبراء مخاوفهم من أن التوسع فى إنشاء غابات جديدة سوف يكون على حساب الأراضى الصالحة للزراعة، التى تتقلص مساحتها بشكل كبير، فإن معظم المعنيين بتقنيات صناعة الطقس، يعتبرون أن غرس الأشجار هى الطريقة الأسهل والأنسب تكلفة، وذات نتائج سلبية أقل، وبحسب خبراء، فإن هذه الطريقة «لن تحل مشاكلنا، ولكنها لن تسبب الضرر أيضاً».

توربينات لالتقاط الكربون

فى عام 2017، بدأت إحدى الشركات السويسرية فى تصنيع توربينات عملاقة لالتقاط غاز ثانى أكسيد الكربون من الهواء، باستخدام مرشحات قابلة للاستخدام أكثر من مرة، وبالفعل قامت الشركة بإنشاء أول مصنع تجارى لالتقاط الكربون، ورغم أن الفكرة ليست جديدة، حيث سبق تطبيقها فى الولايات المتحدة وكندا وهولندا، إلا أن الشركة السويسرية قالت إنها تمكنت من إزالة نحو 900 طن من ثانى أكسيد الكربون.

وبينما يعتبر فريق من الخبراء، وفقاً لموقع العلوم الطبيعية (Phys.org)، أن هذه التقنية، التى تعتمد على التقاط الهواء بشكل مباشر وتنقيته من ثانى أكسيد الكربون قبل إعادة ضخه مرة أخرى، من أكثر الطرق أماناً للهندسة الجيولوجية، ولا تنتج عنها أى آثار جانبية حادة نسبياً، يحذر فريق آخر من أن هذه الآلية لا يمكن أن تواكب المعدلات الحالية لانبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى.

نشر غبار الحديد على سطح المحيطات

تعتمد هذه التقنية المعروفة باسم «التسميد الحديدى» على نشر غبار الحديد على سطح المياه فى المحيطات والمسطحات المائية، بما يؤدى إلى تحفيز انتشار الطحالب والعوالق البحرية، التى تقوم بامتصاص ثانى أكسيد الكربون من الهواء، وذلك استناداً إلى دراسة المراحل السابقة من تغير المناخ، وأشارت إلى احتمال أن يكون غبار الحديد قد تسبب فى إحداث تأثيرات مماثلة فى العصور الجليدية.

ورغم أن هذه العملية لا تنجم عنها أى تداعيات غير مرغوب فيها، فإن فريقاً من الخبراء يرى أنها قد تنجح فى المحيط الأطلسى، ولكنها قد تواجه صعوبات فى المناطق الاستوائية من المحيط الهادئ، بسبب حركة الأمواج، كما يحذر العلماء من أن مثل هذه العملية، التى قد تستمر لحوالى 50 سنة، يمكن أن تتسبب فى مشاكل عديدة نتيجة إزعاج الأنظمة الإيكولوجية البحرية.

مرايا عاكسة لأشعة الشمس

يقترح عدد من العلماء أنه بدلاً من اللجوء لحقن الغلاف الجوى بغازات الكبريت لحجب أشعة الشمس جزئياً، فإنه يمكن استخدام مرايا ضخمة فى الغلاف الجوى، تقوم بعكس أشعة الشمس بعيداً عن الأرض، من خلال إطلاق عدد كبير من البالونات العملاقة، على ارتفاعات عالية، ورشها بمواد عاكسة، بينما يوصى آخرون بنشر أسطول من «الدروع العاكسة»، لتشكل سحابة بطول 62 ألف ميل.

وبالإضافة إلى التكلفة المرتفعة لتنفيذ هذه الفكرة، التى تتجاوز تريليونات الدولارات، فإن العلماء يحذرون من أنها قد تكون لها تأثيرات مدمرة، إذ يمكن أن يؤدى حجب أشعة الشمس إلى أن يصبح الكوكب أكثر جفافاً، حيث تشير النماذج إلى أن انخفاض الحرارة بمقدار درجة مئوية يستتبعه تراجع فى معدلات هطول الأمطار بنسبة 1%، الأمر الذى يضر بالقدرة على إنتاج الغذاء فى المناطق المعرضة للخطر


مواضيع متعلقة