د.إيناس مسعد سرج تكتب: الذكاء الاصطناعي.. والإدمان الرقمي (1)

د.إيناس مسعد سرج تكتب: الذكاء الاصطناعي.. والإدمان الرقمي (1)
- العقول الالكترونية
- الذكاء الاصطناعي
- الإدمان الرقمي
- العقول الالكترونية
- الذكاء الاصطناعي
- الإدمان الرقمي
ثمة مشهد جعلني أفكر مليا فيما يمكن أن تفعله العقول الإلكترونية في العقول البشرية حين طلب مني أحد الأصدقاء أن أنتظر دقيقتين ليدخل على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، محاولا معرفة آخر نتائج مباريات كرة القدم، وإذا بالدقيقتين تتحولان إلى عشر، ولم أسمع لصديقي صوتا وحين ناديته في محاولة مني لتذكيره أنني هنا .. اعتذر وقد ارتسمت على عينيه ملامح الإحراج، مشيرا إلى أن الموقع أمده بعناوين عدد من الموضوعات التحليلية للمباراة، وقد اندفع نحو قراءتها لاهتمامه بالموضوع، وهو ما جعله يكتب أحد التعليقات التي لاقت ردود فعل سريعة من الأصدقاء واندمج في شرح ذلك الأمر لي مبتهجا متناسيا للمرة الثانية حوارنا الأصلي.. هنا أدركت أن العقل الإلكتروني أو ما يعرف بالذكاء الاصطناعي استطاع أن يستدرج العقل البشري يجعله يسبح بل ويغرق دون إرادة حرة منه في كتابات وصور وحالة إدمان من نوع جديد هو الإدمان الرقمي.
ان الدافع للانخراط في هذه الآلة هو النشوة والإحساس بالمكافأة الوهمية التي تولد الادمان. وهذا ما يفسر الوقت الطويل الذي يقضيه الفرد يوميا مع هذه الآلة في شكل من أشكال الإيذاء الجماعي، وهي ظاهرة وصفها أحد العلماء بـ«عقل الخلية المدمن»، فقد تطورت فكرة الإدمان ولم تعد مرتبطة بالمخدرات.
حيث ذكر الأطباء النفسيون شكلا آخر منه وهو «الإدمان السلوكي» حيث إن العديد من السلوكيات يمكن أن تصبح إدمانًا إذا كانت النتيجة مجزية بما يكفي لتوليد الرغبة، وهنا ظهر مصطلح «الإدمان التكنولوجي»، والذي يحدث عندما يفقد المستخدمون السيطرة على سلوكهم نتيجة سعيهم للحصول على المكافآت مثل، الشعور بالإنجاز أو قبول الآخرين لهم اجتماعيًا، وعادة ما يولد الإدمان سلوكيات قهرية وحتى مدمرة للذات وهو ما يسمى «الأشكال المظلمة للسلوك».
كما أن تأثير الذكاء الاصطناعي في خلق الإدمان لمواقع التواصل والمواقع الإعلامية يعمل بطريقة علمية وفسيولوجية ترتبط بهرمونات الجسم .. ولكن كيف؟ أن أساس الإدمان هو هرمون «الدوبامين» الذي يعمل في الدماغ كناقل عصبي، تنقل من خلاله الخلايا العصبية الإشارات لبعضها، ويدعم الدوبامين أيضا «السلوك المدفوع بالمكافأة» أي تحفيز تكرار أي سلوك ينتج عنه شيء إيجابي أو مكافأة، ونحن نكرر السلوك نفسه المسبب لوصولنا للمكافآت.
وهذا النظام العقلي هو ما تم أخذه في الاعتبار عندما تم تصميم منصات التواصل الاجتماعي لاستغلال أنظمة المكافآت في عقولنا، وهي مصممة للعمل مثل المخدرات، حيث إنها تحفز السلوك الإدماني لاستخدامها لأنه كلما زادت مدة الاستخدام زادت مدة عرض الإعلانات، وبالتالي تزداد الأموال التي يدفعها المعلنون.
كذلك فان طريقة تصميم هذه المواقع ذكي في أداء مهمة الإدمان.. فبمجرد أن نبدأ في الاستخدام تجعلنا نتوق إلى الإعجابات، وإعادة التغريد، والمشاركات، وتمرير الشاشة لأسفل لعرض مزيد من الموضوعات، لأننا نأمل في الحصول على المكافآت، والوصول إلى حالة من الرضا قصير المدى بالحصول على «إعجاب» ما يسبب زيادة بسيطة من الدوبامين في أدمغتنا، والخطورة أنه مع تكرار الاستخدام تكونت العادة وتكرر السلوك وطمحنا فى المزيد من المكافآت.
ويدعم الذكاء الاصطناعي هذا الإدمان حيث إنه يسهم في أن تكون مثل هذه السيناريوهات الجاذبة للمستخدم قوية وفعالة لتجعل تلك الخوارزميات الذكية البشر منقادين إلى طاعتها، مستغلة أن دماغنا مبرمج للاهتمام بالتفاعلات الاجتماعية، لكونها سمة أساسية للبشر.
كما تستغل هذه العقول الالكترونية الذكية خاصية أخرى في عقولنا لبناء استراتيجيات تسهم في زيادة إدماننا للمواقع وهي «خاصية التنميط» فعقولنا تقوم بتصنيف البيانات التي تحصل عليها، وتبني علاقات بين البيانات المتشابهة، وربطها ببعض والوصول لاستنتاجات وتعميمات تساعدنا في اتخاذ القرارات المستقبلية والحكم على الأشياء بناء على خبرتنا السابقة وهذه مهارة بقاء أساسية - وبالتالي نتعلم مثلا متى نتوقع مكافأة لمجموعة معينة من السلوكيات.
تقوم كذلك تطبيقات المواقع الاجتماعية بتنفيذ خدعة مكافأة اضافية ، تسمى "جداول المكافآت المتغيرة" أي غير المتوقعة وغير القابلة للتصنيف أو التنميط . معتمدة بها على استراتيجية " خطأ التنبؤ بالمكافأة" ليجعل المتصفح لها شغوفا للمزيد من المحاولات من أجل الوصول إلى المكافأة.
ان هذه الحالة الادمانية التي خلقتها مواقع التواصل لمستخدميها قد جعلت المسئول عن زيادة المستخدمين في فيسبوك يعبر في محاضرة له في جامعة ستانفورد ، عن شعوره بالذنب ,لأن أنظمة التفاعل الموجودة لديهم تؤثر على الدوبامين في المخ مما قد يكون له بعض التأثيرات السلبية على الحراك المجتمعي.فهل ننتبه لما يحاك لنا ام نظل تحت تأثير تخدير هذه المواقع التي باتت تجري فى عروقنا مجري الدم خاصة اذا ادركنا كم المخاطر الناجمة عن هذا الادمان وهو موضوع الجزء الثاني من هذا المقال .