م الآخر| حتى لا يطير الدخان 2 ..!
دخاني يختلف عن دخان "جلال عامر"، الذي أطلقه في مقاله الشهير،فالراحل تحدث، وفق رؤيتي، عن محاولات تغييب العقول وإقناعها أن الديكتاتورية هي أن نسرق البنوك في "السر"، فتمر السرقات بسلام ، ومحاولات إفهامها أن الديمقراطية هي أن نسرق البنوك في "العلن"، فتلاحقنا اللعنات وتطاردنا الفوضى، ولا يستقر الحال إلا بأن يفر السارق بغنيمته، أو يقتل مطارده!.
الرجل كان جريئا - رحمه الله – لكني، ولله الحمد، لست بهذه الجرأة التي قد تورد صاحبها موارد التهلكة، “دخاني” لن يطرب “المزاجنجية”، فأنا لا "أنتوي"، على رأي عمنا حسني مبارك، حبسه كثيرا في “كوباية الحشيش”.
أنا لا أسب الأنظمة، ولا أهاجمها ولا أسخر منها حتى لو كان زعيم النظام “مرسي”، ولا أتجرأ حتى على شتم “مذيع”، ولو كان بدرجة “عمرو”، بصوت “باسم يوسف”، لكني، وسامحني،أرى بكل وضوح أن “الشغلانة لمت”، “شغلانة السياسة يعني”،فمدح النظام وحاشيته تحول لتجارة “رائجة” لكل من هب ودب، وها أنا ذا أحاول أن أستوعب قواعد تلك التجارة لأمارسها!.
كنت مقتنع تماما أن “نفاق السلطان” ردة أخلاقية، وأن فاعله يستحق الحرق حيا، كانت هذه قناعتي حتى جاءتني رسالة نصية على هاتفي تمتدح مقالي الأخير وتشد على يدي في مواجهة ما اعتبرته صاحبة الرسالة “فساد حكومي” يستحق وقفة من رجل شجاع مثلي، وطلبت مني، بعد وصلة المديح، أن أوفر فرصة عمل لها، عندها فقط اكتشفت أن النفاق ليس سيئا للدرجة التي حسبتها!.
هناك من ينافق المعارضة، المنبطحة بدورها،بحثا عن “سبوبة”، وهناك من ينافق السلطة ليتقرب منها بحثا عن منصب يطور فيه من أسلوبه الفني في النفاق لينال منصبا أكبر، وبينهما أقف، ومن هم على شاكلتي من قليلي الخبرة، لأتعلم “فن النفاق”، وأخشى على نفسي، في الوقت ذاته،من الوقوع في حبائله، أقترب وأبتعد كأنما أستدفئ بالنار من وجع البرد، وأخشى في الوقت نفسه الاكتواء بلهيبها.
كل ما يعذبني أنني عايشت بنفسي من يصعد على أكتاف أصحاب الكفاءة، يتسلق كـ”الحية”، قبل أن يلدغهم ليتحدث بعدها عن كونه “إبراهيم”، الذي هدم الأصنام، وهناك من سلك كل سبيل للعهر، ليتحدث بعدها عن شرف الوصول، وضريبة نجاح النابغين الأكفاء، وآخر يتحدث عن عذابات المهنة وويلات الحروب الإعلامية التي خاضها، رغم أنه لم يمارس المهنة أصلا وكل تاريخه فيها راجع لوالدته التي أدخلته الحقل التليفزيوني بـ”كارت توصية”.
”كلنا فاسدون ولا استثني أحدا”، تلك العبارة أحسب أننا جميعا سمعناها كثيرا كلما تكرر المشهد الشهير في فيلم “ضد الحكومة”، وأحسب أنها تنال من نفوسنا موقعا، لكننا نخجل في الوقت نفسه من الحديث عن تلك الحقيقة كثيراأمام الناس، أمام زوجاتنا وأبنائنا وسواهم، لابد أن نقتنع بأننا فاسدين وأننا مهما حاولنا أن نخفي هويتنا عن المجتمع فلن نستطيع.
إلى هنا عزيزي القارئ، انتهى ما في كوبي من دخان، لم أكن واعيا عندما قلت إننا فسدة، فقد كنت تحت تأثير المخدر، كل تلك الاتهامات انكرها كاملةً، "برضو بصوت عمنا مبارك"، كنت غائبا عن ذاتي لدقائق فوصفتك وصفا مستهجنا مكروها واتهمتك به، واتهمت نفسي، رغم دورك الوطني المشهود، التمس لي العذر لأني كنت "مخمورا"عندما استهدفت ابناءك، التمس العذر حتى لو أحرقت “الاتوبيس” الذي أقل أولادك إلى المدرسة، بمن فيه!.