د. شوقي علام يكتب: خير وسلام للبشرية

كتب: نوران علام

د. شوقي علام يكتب: خير وسلام للبشرية

د. شوقي علام يكتب: خير وسلام للبشرية

لقد جعل الله سبحانه وتعالى ميلاد الرسل والأنبياء خيراً وسلاماً للبشرية جميعاً؛ فإرسالهم نعمة كبرى من الله سبحانه؛ إذ لا ينتظم حال الناس ولا يستقيم إلا بإرسال الرسل الذين جعلهم سبحانه وسائط بينه وبين خلقه يعرفونهم بربهم ويفصلون لهم الشرائع ويبينون لهم ما يحبه الله وما يبغضه وما يضرهم وما ينفعهم وما يكفل لهم سعادتهم؛ بل إن حاجة البشر إلى الرسل أعظم من حاجة المريض إلى الطبيب؛ إذ قصارى ما يترتب على عدم وجود الطبيب هو وهن البدن، أما عدم وجود الرسل فيترتب عليه خراب النفوس وفساد الأخلاق.

وليس بين رسالات الأنبياء فرق فى أصل الدين، بل إنها جميعاً تستقى من نبع واحد، غير أن شرائعهم متفرقة؛ قال تعالى «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشر الأنبياء بنو علات، الدين واحد، والشرائع متفرقة»؛ فالأنبياء إخوة ولكن من أمهات شتى، دينهم واحد وشرائعهم مختلفة. وكل نبى إنما يأتى برسالة متممة ومكملة لرسالة النبى الذى قبله، وفى ذلك يقول تعالى «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»، وقال تعالى على لسان المسيح عليه السلام «وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ»، أى أن الشريعة المنزلة على المسيح لا تهدم ما جاء فى التوراة، بل هى مكمّلة ومتمّمة، وهكذا الأنبياء يمهد سابقهم للاحقهم ويكمل لاحقهم لسابقهم.

ولقد التقت جميع الرسالات السماوية ومناهج دعوة الأنبياء على أصول مشتركة هى أهمية العقيدة والعبادة والأخلاق؛ فكل نبى دعا قومه إلى الله وعبادته وترك عبادة غيره من أرباب الزور والبهتان؛ فقال تعالى «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ».

وأما العبادات والأخلاق فقد اشتركت فى إطارها الشامل بين جميع الأنبياء، مصداقاً لقوله سبحانه «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ»، ومن هنا نجد أن سيدنا المسيح عليه السلام قد ضرب أروع الأمثلة فى الدعوة إلى مكارم الأخلاق؛ فقد جاء على لسان المسيح فى الأناجيل الكثير من التعاليم التى تحث على الفضائل كالحب والتسامح ومساعدة الناس؛ نذكر منها قوله: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم»، وقوله: «من سخرك أن تمشى معه ميلاً واحداً فامش معه ميلين، من طلب منك شيئاً فأعطه، ومن أراد أن يستعير منك شيئاً فلا ترده خائباً».

وكان نبينا جامعاً لكل الأخلاق الحسنة حتى وصفه الله تعالى بقوله «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وبين أن الغرض الأساسى من بعثته هو الدعوة إلى إقامة مكارم الأخلاق فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وانطلاقاً من أخوة الأنبياء وتأسيساً على دعوتهم إلى مكارم الأخلاق فحرى بنا أبناء الوطن الواحد أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نطبّق تعاليم الأنبياء فى واقعنا وسلوكياتنا وأن ندرك أن الشرائع أقرت مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات بين الناس جميعاً، وقد احتفى النبى، صلى الله عليه وسلم، بأخيه المسيح ابن مريم فى مناسبات كثيرة، منها قوله: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة؛ فليس بينى وبينه نبى»، وقال مادحاً للمسيح فى شخص الصحابى أبى ذر الغفارى: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذى لهجة أصدق ولا أوفى من أبى ذر يشبه عيسى بن مريم».

إن هناك تحديات جمة تواجه العالم أجمع وقد صارت البشرية الآن فى أمس الحاجة إلى التكاتف وعدم التفرق، ووضع الأمور المتفق عليها نصب أعينها، وتحاشى المختلف فيه؛ لتكمل الإنسانية خطاها نحو التنمية والتطور والنهضة، ويؤدى الإنسان ما عليه تجاه أخيه الإنسان فى كل مكان.

مفتي الديار المصرية


مواضيع متعلقة