مفتى الديار المصرية: تصدينا لـ5500 فتوى متشددة ضد الأقباط.. و«الخلافة الإسلامية» أضحت مفهوماً سيئ السمعة

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

مفتى الديار المصرية: تصدينا لـ5500 فتوى متشددة ضد الأقباط.. و«الخلافة الإسلامية» أضحت مفهوماً سيئ السمعة

مفتى الديار المصرية: تصدينا لـ5500 فتوى متشددة ضد الأقباط.. و«الخلافة الإسلامية» أضحت مفهوماً سيئ السمعة

دعا د. شوقى علام، مفتى الديار المصرية، المؤسسات الدينية الرسمية لسحب البساط من تحت أقدام «جماعات الإسلام السياسى»، معتبراً إياها بوابات للانضمام لجماعات الإرهاب مثل «داعش» و«القاعدة». وأوضح المفتى، فى حوار خاص مع «الوطن»، أن الدار تصدّت لـ5500 فتوى متشددة ضد الأقباط، مشدداً على أن من يقاتلون الجيش والشرطة بغاة وخوارج، مطالباً الإعلام بعدم استضافة غير المختصين فى الدين حتى لا يبثوا سمومهم بين الناس.. وإلى نص الحوار:

{long_qoute_1}

■ هل يجوز لأى شخص أن يُنزل حكم الكفر على آحاد الناس؟ وماذا يجب على المسلم حتى يأمن شر هذه الفتنة؟

- من أصول عقيدة المسلمين أنهم لا يُكفّرون أحداً من المسلمين بذنب، ولو كان من كبائر الذنوب، وقد قال تعالى «إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ باللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا»، فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر؛ لأن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه. قال تعالى: « مَن كَفَرَ باللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: «ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل». وعلى الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالقضاة فإن العلماء لم يفتهم أن ينبهوا على الاحتياط فى هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف على وجوب الاحتياط فى تكفير المسلم، قال تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا». فحذّرهم من التسرع فى التكفير، وأمرهم بالتثبت فى حق من ظهرت منه علامات الإسلام فى موطن ليس أهله بمسلمين، وعليه فلا ينبغى التسرع فى تكفير المسلم متى أمكن حمل كلامه على محمل حسن، وما يشك فى أنه كفر لا يحكم به، فإن المسلم لا يُخرجه عن الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك، وقد تتابعت كلمات العلماء على تقرير هذا الأمر.

■ وما قول العلماء فى ذلك؟

- مما يدل على ذلك قول الإمام الغزالى: «ولا ينبغى أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغى أن يدرك قطعاً فى كل مقام، بل التكفير حكم شرعى يرجع إلى إباحة المال، وسفك الدم، والحكم بالخلود فى النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. ومهما حصل تردد، فالوقف فيه عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل». وقال أيضاً فى الاقتصاد: «والذى ينبغى أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة الأموال والدماء من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ فى ترك تكفير ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ فى سفك محجمة من دم امرئ مسلم».{left_qoute_1}

■ ما الجهود التى تقوم بها دار الإفتاء للقضاء على فوضى الفتاوى؟

- دار الإفتاء، ولله الحمد، استطاعت السيطرة على فوضى الفتاوى، وتلمّسنا ذلك خاصة فى الفترة الأخيرة بعد المجهودات التى تبذلها دار الإفتاء فى الداخل والخارج، فبفضل الله قلّت وتيرة فوضى الفتاوى، وقد حاولنا مواجهة ذلك على عدة أصعدة عبر الفضاء الإلكترونى وعلى أرض الواقع، فاستخدام الدار لوسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى ساهم بشكل كبير فى وصول صحيح الدين إلى أكبر قدر ممكن من الناس خاصة الشباب، كما عقدت الدار المجالس الإفتائية التى شارك فيها علماء دار الإفتاء فى مراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية بالتعاون مع وزارة الشباب من أجل التواصل على أرض الواقع لترسيخ المفاهيم الإفتائية وثقافة الاستفتاء الصحيحة بين الشباب.

■ ما أركان الفتوى؟

- الفتوى لا بد فيها من ثلاثة أركان، أولها إدراك النص، والثانى إدراك الواقع بعوالمه المتشابكة، والثالث كيفية إيقاع هذا النص المطلق على هذا الواقع المتغير النسبى؛ بحيث إنه لا يخرج عن إجماع المسلمين، ولا عن هوية الإسلام، ويحقق المقاصد الشرعية والمصالح المرعية، ويعتبر المآلات المعتبرة. وأرى أنه على الجميع أن يستمع إلى المنهج الوسطى والمعتدل الذى يتصف به الإسلام؛ لأن الغلو والتطرف والتشدد والتهجم على ثوابت الدين ليست من طباع المسلم الحقيقى، ولا من خواص أمة الإسلام بحال من الأحوال، ومنهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف فى التوجيه والتعبير ويعتمد التوازن والاعتدال والتوسط والتيسير.

■ كيف يمكن مكافحة الأفكار المتطرفة؟

- بتوضيح خطورة التطرف والتشدد وكيف أنه يتسبب فى تدمير بنى شامخة فى حضارات كبرى، وأنه بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذى يقوم على الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغالياً متطرفاً ولا متشدداً ولا متهجماً على ثوابت الدين، كما أننا بحاجة إلى تعاون أجهزة الإعلام فى هذا الأمر بعدم استضافة غير المختصين فى برامجها، حتى لا يبثوا سمومهم بين الناس، وأن يتيحوا المجال لأهل التخصص لتصحيح المفاهيم وإرشاد الناس إلى صحيح الدين.

{long_qoute_2}

■ البعض يرى فى منع المتشددين من الفتوى والمناداة بتجديد الخطاب الدينى هجوماً على الدين، كيف ترى ذلك؟

- القضاء على فوضى الفتاوى وتجديد الخطاب الدينى أصبحا ضرورة ملحة، ولا يعنى ذلك أبداً تغيير الدين، ولكن يعنى فهم الواقع جيداً ومتغيراته وإسقاط الأحكام الشرعية على هذا الواقع، وهو دور العلماء المتخصصين، ونحن فى دار الإفتاء نراعى ذلك عند إصدار الفتاوى، وندرك الواقع جيداً ومن ثم نصدر الحكم الشرعى الذى قد يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص. والشريعة الإسلامية والأحكام الفقهية ليست جامدة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بمدح التجديد وبيان أهميته، بل إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعنى، فتارة يحدثنا الشرع الشريف عن التجديد باعتباره أمراً واجب التنفيذ، ويحث عليه المسلمين، وذلك فى مقام الإيمان، فإن الإيمان نفسه يبلى ويخلق ويحتاج إلى أن يجدَّد فى قلوب الموحدين، وذلك فى قول النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه: جدّدوا إيمانكم، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله، فالخطاب الإسلامى هو الخطاب الذى يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وما يشهد له هذان الأصلان من الأدلة الشرعية بالاعتبار.

■ كيف نُخرج المجتمع من دوامة وآثار فكر جماعات الإسلام السياسى؟

- لا بد للمجتمعات أن ترجع إلى المرجعية الشرعية المعتمدة والوسطية مثل الأزهر الشريف بتاريخه العريق وعلمائه الثقات الذين يصدرون الأحكام والفتاوى الشرعية مجرَّدين من أى هوى سياسى أو حزبى، لأنه للأسف جماعات الإسلام السياسى تستغل عباءة الدين لتحقيق أهدافها السياسية، وزعماء الإسلام السياسى نصبوا أنفسهم مفتين بغير علم، وتصدّر غير المتخصصين للإفتاء ممن لا يملكون ما يكفى من المعرفة الدينية الصحيحة، هى واحدة من الظواهر التى قد تفسر السبب الأهم فى انتشار التطرف، لأنهم نصبوا أنفسهم كسلطة ومرجعية دينية رغم افتقارهم للمؤهلات العلمية التى تؤهلهم للتصدر لعملية الإفتاء والتحدث فى الشريعة والأخلاق.{left_qoute_2}

■ وماذا عن دورهم فى نشر العنف؟

- الإسلام السياسى يُعد البوابة الأولى لمعظم الأفراد الذين انضموا لاحقاً إلى جماعات العنف مثل داعش والقاعدة، حيث بدأ توظيف الدين لخدمة أهداف سياسية على أيدى تلك التيارات التى تمارس العمل السياسى بتوظيف الدين والمعتقد لتحقيق المكاسب والتأييد، ثم ما تلبث أن تمارس العنف بغطاء دينى يشرعن للعنف ويبرره، بل ويصل بهم إلى وضعه فى مرتبة الواجب، وهو خطاب يُزين بمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المبتورة من سياقها، والتى تنطلى على عدد من المسلمين فى الخارج فيقع البعض فريسة لهذا الخطاب وتلك الدعاية، ومن ثم لزم على المؤسسات الدينية المعتمدة أن تتعامل مع تلك التيارات لسحب البساط من تحت أقدامها، وتفنيد خطابها وتعرية حججها بما يمثل إعادة لخطاب الإسلام الوسطى المستنير إلى الواجهة بدلاً من خطاب الإسلام السياسى الداعم للعنف والمؤسس له.

■ أفكار «الخلافة» و«السبى»، متى نسمع إعلان وفاة تلك المصطلحات القديمة؟

- مفهوم «الخلافة» من أكثر المفاهيم الإسلامية التى تعرضت إلى التشويه والابتذال فى وقتنا الحاضر حتى أضحى المفهوم سيئ السمعة لدى أوساط غير المسلمين، بل وبين المسلمين أنفسهم وفى الدول ذات الأغلبية المسلمة، والدين الإسلامى لا يشترط ولا يحدد نظاماً واحداً للحكم، والعبرة فى اختيار نظام حكم دون غيره هى تحقيق المصلحة العليا للبلاد والعباد. أما مسألة «السبى» فالتشريع الإسلامى كان متشوقاً إلى حل هذه المشكلة التى ارتبطت بسياق تاريخى، وهى مشكلة العبيد والإماء، أما وقد تجاوز الزمن ذلك إلى عصر لا توجد فيه هذه الظواهر، فإن استدعاءها من جديد هو أمر خارج عن تعاليم الإسلام وروحه ومقاصده، ومن ثم فهى عودة إلى زمن الجاهلية مجملاً، فالعبودية -من أى نوع- هى أمر مجرّم قانوناً ومحرّم من الناحية الإسلامية، واستدعاء هذا الأمر مخالف للدين الإسلامى ولما يدعو إليه القانون الدولى.

■ وماذا عن مصطلح الجزية؟

- الدولة فى شكلها الحديث تقوم على مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعقد الاجتماعى، فلم تعد تفرق بين مسلم وغير مسلم، والجميع سواسية أمام القانون، وكذلك متساوون فى الحقوق والواجبات، لذلك لا فرق بين مسلم وغير مسلم فى تحمل الأعباء أو نيل الحقوق، ومن ثم فلا يجوز فرض «جزية» على غير المسلمين بحجة حمايتهم أو احتفاظهم بدينهم، فمبادئ الدولة الحديثة لا تفرق بين مواطنيها فى الخدمة العسكرية أو فى القضاء وغيرها من الأمور، كما أنها لا تُكره الناس على اعتناق دين بعينه. وفرض الجزية على أهل الذمة فى بعض الحقب التاريخية كان مقابل حماية أرواحهم وأموالهم وتأمينهم على ذلك، وقد كان الصحابة عندما يخافون الخطر على أهل الذمة يردون إليهم ذمتهم، أما الآن فالجميع يدفع الضرائب ويشارك فى حماية الوطن بموجب المواطنة.

■ الحدود واستعادتها تكأة تجار الدين ومدخل كبير للسيطرة على المواطن العادى، فكيف نحل هذه المعضلة؟

- المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية كلمة حق يراد بها باطل، وتستغلها المجموعات المتطرفة والمتشددة لتبرير عنفها وإرهابها. والخوارج أول من نادوا بفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية حين رفعوا المصاحف وقالوا «لا حكم إلا لله» فى عهد سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وهذا دأب الجماعات المتطرفة التى تريد إحداث زعزعة فى المجتمعات وتستغل ذلك لأجل إثارة مشاعر الناس وشق الصف. والشريعة الإسلامية مطبقة فى مصر على المستوى القانونى، ولا ينبغى أن نقول إنها غائبة قبل دراسة مواد القانون دراسة موضوعية ومحايدة، فالتجربة التشريعية المصرية رائدة، حيث إنها قبلت كل قانون لا يخالف الشريعة الإسلامية، ورفضت أى قانون يخالف الشريعة الإسلامية، والمشرّع المصرى كان يرجع إلى الشرع الشريف فى كل القوانين لدرجة أن كان هناك مُفتون فى كل مرافق الدولة منذ عهد محمد على، وعليه فالقوانين المصرية منذ عهد محمد على تؤكد على تطبيق الشريعة الإسلامية.

{long_qoute_3}

■ ما الحكم الشرعى فى الشباب المصريين الذين سافروا بزعم الجهاد فى سوريا والعراق وقُتلوا هناك؟

- بكل تأكيد سفر الشباب إلى خارج بلادهم للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بدعوى الجهاد فى سوريا والعراق أو غيرها من الدول لا يجوز شرعاً، لأن الجهاد لا يكون إلا تحت راية ولىّ الأمر وممثلاً فى أجهزة الدولة السياسية والأمنية ومجالسها التشريعية، وبموافقتها، وليس لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه من دون مراعاة تلك الضوابط والشروط، لأنه لو كُلِّف مجموع الناس بالخروج فُرادَى من غير استنفارهم من قبَل ولىّ الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، لذا نؤكد مرة أخرى أنه لا يجوز للشباب السفر بدعوى الجهاد خارج البلاد دون إذن ولىّ الأمر.

■ كيف يتم التصدى للمواقع التى تصدر فتاوى مخالفة لكم كتحريم تهنئة الأقباط وحرمة الاحتفال بالمولد النبوى؟ ولماذا لا يتم منعهم من الفتوى؟

- بالتأكيد نقوم برصد تلك الفتاوى وتفكيكها والرد عليها، فمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية رصد مؤخراً ما يزيد على 5500 فتوى أصدرها المتطرفون تحدد العلاقة فى التعامل بين المسلمين وغير المسلمين وتضعها فى دائرة ضيقة جداً، حيث وجدت الدراسة أن 70% من تلك الفتاوى تحرم التعامل مع غير المسلمين، بينما 20% تضعها فى إطار المكروه، فى حين يوجد 10% فقط من تلك الفتاوى فى دائرة الإباحة. وكذلك رصدنا الفتاوى التى تضيق على الناس أمور دينهم، وقمنا بالفعل بالرد على جميع هذه الفتاوى المتشددة وتفكيكها وبيان الحكم الشرعى الصحيح للدين فى هذه الأمور.

■ كيف ترى حالة التعايش الإسلامى المسيحى فى مصر، وكيف ندعمها؟

- المتابع الجيد لتاريخ مصر منذ دخول الإسلام وحتى يومنا هذا، يجد بما لا يدع مجالاً للشك أن التجربة المصرية رائدة فى هذا الشأن فى تحقيق وإرساء مبادئ وقواعد المواطنة والعيش المشترك، حيث نجد الشعب المصرى بجناحيه بمسلميه ومسيحييه عاش ويعيش المواطنة الحقيقية دون تفرقة بين المواطن المسلم وأخيه المسيحى. والنبى صلى الله عليه وسلم أول من أرسى مبدأ المواطنة من خلال وثيقة المدينة المنورة التى صاغها لإتاحة حرية العقيدة لغير المسلمين مع الانتماء للوطن وعدم التفرقة مطلقاً على أساس العقيدة. والدليل على أن التجربة المصرية فى التعايش بين المسلمين والمسيحيين تجربة رائدة وفريدة أن جميع محاولات الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد قد باءت بالفشل على مدار التاريخ، كما أن الدساتير المصرية جميعها أكدت على مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المصريين باختلاف عقائدهم.

■ ما دور الدار فى الرد على فتاوى الإرهابيين ضد مؤسسات الدولة المصرية؟

- دائماً ما تسعى جماعات التطرف والإرهاب إلى زعزعة الأمن والاستقرار فى المجتمعات، ويلجأون إلى العمليات الإرهابية والانتحارية الخسيسة التى تستهدف رجال الجيش والشرطة بهدف إضعاف بنية الدولة، ولن يتم لهم ذلك لأن الله لا يُصلح عمل المفسدين والخائنين، وبالتأكيد تقوم تلك الجماعات بإصدار فتاوى تبرر أعمالهم الإجرامية ضد الجيش والأمن المصرى تعطى المشروعية لممارساتهم الدموية فى استهداف رجال الشرطة وجنود الجيش وأفراد الأمن من خلال مسوغات إفتائية واهية، يبررون فيها جواز قتل رجال الجيش والشرطة، بدعوى أنهم يناصرون السلطة التى يرى مدّعو الفتوى أنهم بمثابة «الطاغوت».{left_qoute_3}

■ وكيف تتم مواجهتهم؟

- قمنا بالفعل فى دار الإفتاء برصد هذه الفتاوى وتفنيدها والرد عليها بمنهجية علمية منضبطة أبطلت حجة هؤلاء المتطرفين، وأكدنا أن من يقومون بتفجير أنفسهم فى رجال الجيش والشرطة وهم يؤدون واجبهم فى حماية الوطن قد جمعوا بين قتل النفس المحرّمة وقتل أنفسهم، وشددنا كذلك على أن هؤلاء الإرهابيين البغاة يفتقدون إلى العلم وفهم الدين، وفعلوا مثلما فعل الخوارج الذين قال عنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم»، ووصل بهم الحال إلى أن قتلوا اثنين من الخلفاء الراشدين، هما سيدنا عثمان وسيدنا على، رضى الله عنهما، وحاربوا الصحابة والمسلمين لأنهم لم يكن عندهم علم صحيح ولا فقه سليم.

■ وماذا عن التصدى لفتاوى الخارج؟

- منذ سنوات ونحن ننادى بضرورة التكاتف والتعاون للقضاء على فوضى الفتاوى التى تتسبب فى زعزعة استقرار وأمن المجتمعات، خاصة أن الجماعات المتطرفة تقتل بفتوى وتدمر بفتوى، وهى بالطبع فتاوى أصدروها دون منهجية أو فهم، لذا اجتمعنا وخمسين من كبار المفتين والفقهاء والعلماء من مختلف أرجاء العالم فى مؤتمر عالمى للإفتاء عُقد فى أغسطس الماضى، واتفقنا على إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم من أجل تبادل الخبرات العلمية، والعملية، والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء، ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامى، والمنفتحة على تطور الفقه الإسلامى، وبالفعل أعلنا عن إنشاء الأمانة، حيث ترتكز على التشاور بين العلماء والمفتين من خلال آليات خاصة، مع اهتمامها بتدريب مفتين مؤهلين وصناعة المفتى والفتوى التى تحتاج إلى إمكانات ستوفرها الأمانة العامة التى تضم مفتين وعلماء من أكثر من 20 دولة حول العالم، وبالتأكيد سيكون لذلك أثر إيجابى كبير على صناعة الفتوى والقضاء على الفوضى فيها، لأن ضمن مهام الأمانة أيضاً وضع معايير لوظيفة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى، مما يسهم فى ضبط الإفتاء، وتعزيز التعاون المثمر بين دور وهيئات الإفتاء فى العالم بالوسائل الممكنة، وبناء الكفاءات الإفتائية وتأهيلهم من خلال تراكم الخبرات المتنوعة للدول الأعضاء.

■ وكيف تتم مواجهة المفتين المزيفين بالفضاء الإلكترونى ومواقع التواصل الاجتماعى؟

- لا شك أن الفضاء الإلكترونى ومواقع التواصل الاجتماعى لها تأثير كبير، وتستطيع الوصول إلى كافة الفئات والأفراد من مختلف البلدان، لذا فهى وسيلة مهمة للغاية يجب الاستفادة منها بشكل كبير. ونحن فى دار الإفتاء المصرية أدركنا هذا الأمر وبدأنا فى التعامل مع الفضاء الإلكترونى، خاصة أن الشباب هم الفئة الأكثر استخداماً له، وهم أيضاً الفئة الأكثر تفاعلاً مع تلك الجماعات الإرهابية، فأنشأنا موقعاً لدار الإفتاء المصرية بعشر لغات، كما نستقبل الفتاوى كذلك عبر هذا الموقع، وأنشأنا أيضاً صفحة رسمية لدار الإفتاء باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى صفحات وحملات إلكترونية بالعربية والإنجليزية مثل صفحة «داعش تحت المجهر»، وغيرها من الصفحات التى تدحض تلك الأفكار وتُظهر وسطية الإسلام، وأن الأعمال الإرهابية لا تنتسب إلى صحيح الإسلام وأن أصحاب تلك الأفعال مجرمون لا ينتسبون إلى الدين الحنيف.

■ كيف تتم الاستفادة من زيارة بابا الفاتيكان لمصر؟

- لا شك أن زيارة بابا الفاتيكان لمصر توجه رسالة إلى العالم مفادها أن مصر بلد مستقر داخلياً، كما ستنعكس بشكل كبير على العلاقات بين الفاتيكان ومصر، وتعزز تلك الزيارة التاريخية السلام العالمى، فهى تواجه خطاب التعصب والكراهية الذى انتشر فى الشرق والغرب على أيدى الإرهابيين والمتطرفين على اختلاف مزاعمهم ومشاربهم، ممن ينسبون أنفسهم للإسلام، ومن يسعون لمكاسب انتخابية من اليمين المتطرف فى الغرب. فالعالم يعلق آماله على قادة الدول المحورية كمصر ورموز المؤسسات الدينية العالمية مثل الفاتيكان والأزهر فى ترسيخ السلام ونشر التسامح عبر الحوار والتعاون المشترك، هذا بالإضافة إلى أن الزيارة تسهم بشكل كبير فى محاصرة وعزل قوى الإرهاب والتطرف التى تستغل بعض الأحداث الإرهابية والتصريحات المعادية للإسلام فى الغرب فى تأجيج العنف والكراهية، فهى تعكس تقديراً لمكانة البابا الروحية ومواقفه الشجاعة تجاه القضايا الدولية وتصريحاته الواضحة بعدم نسبة الإرهاب لأى دين. ويمكن الاستفادة من هذه الزيارة المهمة فى دعم وتعزيز ثقافة السلام والتعايش المشترك والجهود المشتركة فى مواجهة الفكر المنحرف فى الشرق والغرب.

 


مواضيع متعلقة