«عبدالحليم» و«بيليه»

طيلة حقبتى الخمسينات والستينات لم يحظ نجم كرة عالمى بمحبة المصريين وإعجابهم كما حظى بيليه (الجوهرة السمراء)، بل وتستطيع أن تقول إن تحيُّز نسبة لا بأس بها من المصريين إلى فريق البرازيل فى أية منافسة عالمية يجد تفسيراً عند هذا النجم الذى وضع اسم بلده البرازيل على كل لسان فى شتى قارات العالم.

إمكانيات «بيليه» الكروية يستطيع أن يشرحها لك الرياضيون المتخصصون بدقة أعلى، لكننى هنا أحدثك عن تقييم المصريين المنحازين لهذا النجم خلال حقبة مثل الستينات، وأغلبهم كان يشيد بقدرة بيليه على اللعب بالرأس وبالقدمين اليمنى واليسرى، وقدرته على تسجيل الأهداف بأى جزء من جسمه، ومهارة الارتقاء حين يلعب برأسه، وإبداعه فى المراوغة، وفى سرعة العدو داخل الملعب، رغم ما يتعرض له من خشونة من جانب اللاعبين المنافسين.

ارتبطت بـ«بيليه» خلال ذلك الوقت مجموعة من الأساطير التى يبدو أن خيال المصريين نشط فى نسجها، وانطلقت ألسنتهم فى ترديدها. إحدى هذه الأساطير كانت تقول إن حارس فريق كوزموس الأمريكى - لعب له بيليه فى ختام رحلته الكروية - أصيب بعد أن استنفد الفريق تغييراته، فوقف «بيليه» حارس مرمى لمدة 20 دقيقة يصد الكرة برأسه أو بقدميه دون أن يلمسها بيده، رغم أن قانون الكرة لا يمنعه من ذلك، لكنه أراد أن يثبت مهاراته الإعجازية للعالم، وكان يتردد حينها أن هذا الكلام مصدره خبر منشور على صفحات إحدى الصحف المسائية! زار «بيليه» مصر ضمن فريق سانتوس البرازيلى عام 1972، ولعب مباراة شهيرة ضد النادى الأهلى، فاز فيها «سانتوس بيليه» بأهداف خمسة نظيفة.

بمجرد هبوطه على أرض مطار القاهرة تشقلبت حياة المصريين، فنسوا فجأة أحزان نكسة 1967 وآلامها، وانطلقوا يهللون. وكعادتهم أخذوا فى نسج الأساطير حول «بيليه»، بعضهم قال قبل المباراة إن النجم سوف يحرز هدفين لأنه لوّح لمستقبليه فى المطار بأصبعيه، ونبّههم البعض إلى أن تلك علامة النصر (ولكن تقنع مين؟)، تحدّث البعض عن أن عبدالحليم حافظ - رحمه الله - كان عائداً من رحلة علاج فى نفس التوقيت الذى هبطت فيه طائرة فريق «سانتوس» بمطار القاهرة، فظن أن الجماهير العريضة التى تقف فى انتظار بيليه خرجت من أجله فشرع يلوّح لهم، حتى نبّهه أحدهم إلى أن الحشد مجتمع من أجل «بيليه».

ليس معنى ذلك أن المصريين فى ذلك الزمان توحدوا على «بيليه»، فقد انقسموا كعادتهم إزاء النجوم العالميين، حين ظهر النجم البرتغالى الأسمر «أوزيبيو» فتشكل له حزب بين المصريين يدعمه ضد الحزب المؤيد لبيليه.والسر فى ذلك كان فى كأس العالم التى أقيمت عام 1966 والتى سطع فيها نجم «أوزيبيو» وكان هدّاف هذه البطولة، فى الوقت الذى خرجت فيه البرازيل من الدور الأول، وتعرّض «بيليه» فيها لخشونة بالغة، إلى حد أنه تحدّث عن نيته عدم المشاركة فى بطولات كأس العالم مرة أخرى، وحينها تحدّث البعض عن أن حقبة «بيليه» انتهت، وبدأت حقبة «أوزيبيو»، لكن ذلك لم يحدث، إذ تمكّن نجم البرازيل الشهير من قيادة فريقه القومى للفوز بكأس العالم عام 1970.