المستشار الدكتور أشرف هلال يكتب: القانون المصري يحمي حقوق الإنسان في مواجهة «تغير المناخ»

كتب: رنا حمدي

المستشار الدكتور أشرف هلال يكتب: القانون المصري يحمي حقوق الإنسان في مواجهة «تغير المناخ»

المستشار الدكتور أشرف هلال يكتب: القانون المصري يحمي حقوق الإنسان في مواجهة «تغير المناخ»

فى العقدين الأخيرين شهد تغير المناخ تدهوراً مخيفاً، ففى كل يوم جديد يزداد الاحتباس الحرارى وترتفع درجة الحرارة بسبب زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن زيادة حجم أنشطة التصنيع والابتكارات التكنولوجية الحديثة، مما يؤدى إلى زيادة استخدام الوقود، ومن ثم زيادة هذه الانبعاثات، فضلاً عن تلوث الهواء بالأبخرة والدخان وبالغازات السامة والضارة والخانقة والحابسة للحرارة.

وفى كل يوم جديد تزداد إزالة أشجار الغابات لخلق مساحة للزراعة، ويزداد تلوث الماء فى البحار والمحيطات والأنهار، حيث إن أكثر من خمسين بالمائة من كل أنهار العالم هى الآن أنهار ملوثة؛ بل إن التلوث بلغ حتى المياه الجوفية العذبة التى كان يُعتقد فى السابق أنها بمأمن من التلوث.

الضروريات الخمس

وفى كل يوم جديد يؤثر تغير المناخ تأثيراً سلبياً على حقوق الإنسان، ومنها الحق فى الحياة، والحق فى التنمية، والحق فى الصحة، والحق فى الغذاء، والحق فى المياه والصرف الصحى، والحق فى المسكن الملائم، ويتعين على الدول عدم الإضرار بهذه الحقوق، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة؛ ومن ثم فإن التخفيف من حدة آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه يدخل فى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان ويعتبر من الضروريات الخمس (النفس والنسل والعقل والمال والدين).

فحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغيّر المناخ تدخل فى المحافظة على النفس، لأن عدم التكيّف مع تغيّر المناخ، واستنزاف الموارد، والإخلال بالتوازن البيئى، أصبح يهدّد حياة البشر، فتغير المناخ من العوامل التى تؤدى إلى زيادة الخطر على الإنسان وحياته يوماً بعد يوم.

وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على النسل، لأن تغير المناخ يُهدّد الأجيال المستقبلية، بما يحمله فى طياته من أسباب الهلاك والدمار، التى قد ينجو منها -إلى حد ما- أجيال اليوم، ولكن الخطر يتفاقم ويتكاثر ويتركز بالنسبة للأجيال القادمة، فنحن نستنزف الموارد المذخورة التى هى من حقهم، لنسرف فى استهلاكها، ونحن نخل بالتوازن الكونى، الذى يضر إخلاله بهم.

وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على العقل، لأن التخفيف من حدة آثار تغير المناخ والتكيّف معه يقتضى المحافظة على الإنسان، بكيانه كله، الجسدى والعقلى والنفسى، ولا معنى للمحافظة على الإنسان إذا لم تحافظ على عقله، الذى ميزه الله به.

وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغيّر المناخ تدخل فى المحافظة على المال، لأن تغير المناخ يوجب علينا أن نحافظ على المال بكل أجناسه وأنواعه: نحافظ على موارده فلا نتلفها بالسفه، ونستنزفها بلا ضرورة ولا حاجة معتبرة، ولا نحسن تنميتها ولا صيانتها، فتتعرض للهلاك والضياع، ولا نسرف فى استخدامها، فنضيعها قبل الأوان.

وحماية الإنسان من الآثار الضارة لتغير المناخ تدخل فى المحافظة على الدين، لأن إفساد المناخ ينافى جوهر التدين الحقيقى فى جميع الأديان، ويناقض مهمة الإنسان فى الأرض، فجعل الله سبحانه وتعالى كل شىء فى هذا الوجود مقدراً ومقنناً، فكان الكون متزناً ثابتاً، ولم يكن توازنه عبثاً؛ فالعبث بالطبيعة والإخلال بتوازنها له نتائج لعل من أوخمها هلاك النوع الإنسانى!

البيئة فى دستور 2014

إذن لم تعد قضية تغير المناخ ونشر الوعى بها للتخفيف من حدة آثاره والتكيف معه مجرد قضية تتناول داخل الأروقة العلمية بين الاختصاصيين والأكاديميين وتكتب فيها الأبحاث لنيل أعلى الدرجات ثم تقبر فى الأدراج؛ إن هذه القضية أصبحت بعد التقدم التكنولوجى وعتو الإنسان وتجبره وسوء إدارته وتدبيره قضية حياة أو موت، نكون أو لا نكون؛ ومن هنا ظهرت الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الموقعة فى نيويورك بتاريخ 9/5/1992، التى وافقت عليها مصر بموجب القرار الجمهورى رقم 386 لسنة 1994 والمعمول بها اعتباراً من 5/3/1995، وبروتوكول كيوتو الملحق بها والموقع فى كيوتو بتاريخ 11/12/1997، الذى وافقت عليه مصر بموجب القرار الجمهورى رقم 227 لسنة 2003 والمعمول به اعتباراً من 12/4/2005، والموافقة على التعديلات المدخلة على بروتوكول كيوتو المعتمدة فى ديسمبر سنة 2012 بموجب القرار الجمهورى رقم 395 لسنة 2019 والمعمول به اعتباراً من 3/2/2020.

كما تم اعتماد اتفاق باريس فى مؤتمر الأطراف 21 فى 12/12/2015 والذى دخل حيز التنفيذ فى 4/11/2016 لتعزيز العمل العالمى للتحول نحو عالم منخفض الكربون وبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ.

وحرص الدستور المصرى الصادر سنة 2014 على اعتبار البيئة أحد الحقوق الأساسية للإنسان، فجعل لكل مصرى الحق فى بيئة صحية سليمة، وأن حمايتها واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها واجب وطنى، كما ظهرت التشريعات واللوائح الوطنية التى جعلت جل اهتمامها منصباً على حماية الإنسان وحقه فى بيئة نظيفة، لا سيما أن زيادة الانبعاثات المسبّبة لظاهرة تغير المناخ الذى يطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية بما لها من آثار ضارة قد تهدد حياة البشر. 

تشريعات مصرية لحماية البيئة

وقد اتخذت مصر من الناحية التشريعية فى سبيل حماية حقوق الإنسان بشأن تغير المناخ تدابير إيجابية للتخفيف من آثار تغير المناخ ومنع آثاره الضارة والتكيف معها، إحدى وسيلتين: الأولى محاولة إصدار تشريعات جنائية خاصة متعدّدة لحماية البيئة وعناصرها المختلفة من أفعال الاعتداء عليها، أو للاحتفاظ بها سليمة، وتنظيم أوجه استخداماتها، حسب عناصر البيئة وتغير المناخ. والثانية إصدار قانون جنائى خاص واحد بشأن البيئة يشمل هذه القيمة بالحماية بصفة عامة وعناصرها بصفة خاصة.

ويجدر بالذكر أن اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان اعتمدت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021 - 2026) بهدف النهوض بجميع حقوق الإنسان فى مصر، من خلال تعزيز احترام وحماية كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتضمنة فى الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر؛ كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة البيئة قامت باعتماد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر (2050) لجعلها خارطة طريق لمواجهة تحديات تغيّر المناخ من تخطيط وإدارة تغيّر المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية للبلاد. 

إنجاز وانتصار «COP27»

واستضافت مصر هذا العام خلال الفترة من 6 إلى 20 نوفمبر بمدينة شرم الشيخ الدورة 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)، وقد دعمت مصر بتوجيه وتكليف من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا المؤتمر؛ إذ شارك فيه رؤساء وملوك وأمراء من مائة وسبعة وتسعين دولة حول العالم، وأكثر من مائتى حكومة ومنظمة، وحضره نحو أربعين ألف مشارك، وقد حقّق المؤتمر إنجازاً وانتصاراً هائلاً يُحسب لمصر ولباقى الدول المشاركة بشأن إنشاء صندوق «COP27» أو (صندوق الخسائر والأضرار) لمواجهة تحديات تغير المناخ ودعم الدول النامية المتضررة، وإجبار الدول الكبرى المتسبّبة فى الضرر على تحمل نفقات الخسائر وذلك لحماية وإنقاذ البشرية.

وبعد..

نحن فى حاجة إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان بشأن تغير المناخ، وذلك بأن نحمى الطبيعة من آثاره الضارة، لا سيما اتخاذ تدابير التخفيف والتكيف، لأننا بحمايتها نحمى أنفسنا بل نحمى الحياة.

نقلاً عن موقع دراسات حقوق الإنسان التابع للهيئة العامة للاستعلامات 


مواضيع متعلقة