هبة زين تكتب: التغير المُناخي والصناعة.. تأثيرات متبادلة

هبة زين تكتب: التغير المُناخي والصناعة.. تأثيرات متبادلة
- تغير المناخ
- درجات الحرارة
- الوقود الأحفوري
- التغير المناخي
- تغير المناخ
- درجات الحرارة
- الوقود الأحفوري
- التغير المناخي
تغيُّر المُناخ يُقصد به التحوّلات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ودائمًا ما كانت الصناعة المتهم الرئيسي في حدوثه، فيعتبر الوقود الأحفوري - الفحم والنفط والغاز- المستخدم في توليد الكهرباء والصناعات التحويلية المختلفة، المساهم الأكبر في تغيُّر المُناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية ونحو 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. هذا بخلاف انبعاثات وسائل النقل والحرارة الناتجة والمستخدمة ببعض الصناعات كصناعة الزجاج والإسمنت والحديد والصلب.
الوجه الآخر
هناك وجه آخر للحقيقة؛ فالصناعة ليست المؤثر والمسبب الرئيس للتغيّر المُناخي كما هو شائع فقط، بل للتغيُّر المُناخي أيضًا تأثير واضح على قطاع الصناعة. فآثار تغيُّر المُناخ تلقي بظلالها بشكلٍ أو بآخر على الصناعة بوجهٍ خاص والعمل بوجهٍ عام؛ فعلى سبيل المثال، ارتفاع درجات الحرارة تجعل العمل في الهواء الطلق أكثر صعوبة، كما أنّ تغيُّر تواتر ونطاق العواصف والأعاصير الاستوائية الناتجة عن تزايد البخر، يهدد بتدمير منازل ومجتمعات عمرانية وصناعية قائمة، ما يُنذر بالتسبُّب في وفيات، وفقدان العمل لعدد من العمال، وتزايد معدلات البطالة والفقر والمرض والأوبئة، وخسائر اقتصادية فادحة.
هذا بخلاف الاحترار العالمي، وما يترتب عليه من زيادة الجفاف، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع مستويات سطح البحار، وزيادة ملوحة الأراضي الزراعية وتصحر مساحات من الأراضي الزراعية، وتغير خريطة الزراعة والمحاصيل بالعالم وما يستتبعه ذلك من حالات نزوح -فيضطر 23.1 مليون شخص حول العالم في المتوسط كل عام للنزوح نتيجة أحداث متعلقة بالمُناخ - هذا بخلاف نقص الغذاء وتزايد معدلات الجوع وسوء التغذية والتهديد الصحي للبشرية وبخاصة الأيدي العاملة - حجر الأساس بعملية التصنيع - إلى جانب تأثر الصناعات الغذائية بنقص الغذاء من جهة، ولحساسيتها العالية للظروف الجوية من جهة أخرى، فنجاح حفظ المواد الغذائية يحتاج إلى جو بارد وجاف، والذي يتم التغلب عليه من خلال المبردات وتهيئة المصانع لتواكب تغيرات المُناخ -إلا أن هذا الحل يؤثر على طبقة الأوزون لذا لا يعد حل مستدام. هذا في الوقت الذي تأثرت فيه صناعة العسل بمصر، وفق أراء عدد من المنتجين، فحدث انخفاض في الإنتاج وتأخر موسم الحصاد، نتيجة التقلبات المُناخية المتطرفة التي شهدتها البلاد السنوات الأخيرة، وعدم قدرة النباتات والنحل على التكيف مع تغيرات المُناخ.
ومن الصناعات أيضًا التي لها حساسية تجاه الأحوال الجوية، صناعة الغزل والنسيج ونسيج الصوف والذين يحتاجوا إلى نسبة عالية من الرطوبة في الهواء، حتى لا تتقصف التيلة عند غزلها ونسيجها، فعندما تكون الرطوبة النسبية منخفضة جدًا، يكون غزل الألياف هشًا وسهلاً للانقطاع، ما يزيد من التيلة القصيرة، وتكون لفافة القطن رقيقة، وتزداد الأزهار القطنية المتطايرة من الغزول.
صناعة مستدامة
لكن لنكن منصفين، لم يكن تأثير تغير المُناخ على الصناعة سلبي فقط، فقد اتخذ منحى إيجابي أيضًا. فإيجاد حلول للتصدي لأزمة تغير المُناخ خلق توجه عالمي جديد بالتوجه نحو الصناعات المستدامة والنظيفة، ومن خلاله نشأت صناعات جديدة مستحدثة كزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية كوسيلة نقل نظيفة، أو صناعات الطاقة المتجددة والنظيفة كـ (النووية، والهيدروجينية، والوقود الحيوي، والكهرباء)؛ وتعزيز الاعتماد عليها بمراحل التصنيع، والتوجه نحو الاعتماد على مشروعات الهيدروجين الأزرق والأخضر للتخلص من الكربون الناجم عن التصنيع. فسيؤدي تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المُناخ. لكن علينا أن نبدأ الآن.
فمن الأفضل دفع الفاتورة الآن، بدلا من دفع ثمن باهظ في المستقبل. فبالرغم من أن قمة الأرض التي أقيمت في ريو دي جانيرو بالبرازيل منذ 3 عقود سعت لإعادة التفكير في التنمية الاقتصادية وإيجاد طرق لوقف تلويث الكوكب واستنفاد موارده الطبيعية، وصولًا إلى إصدار أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في 2015، والتي ترتبط بطريقة ما بالبيئة، وتعتبر الأهداف (6، و7، و11، و12، و13، و14، و15) أهداف ذات صلة مباشرة بالبيئة.
مرورًا باتفاق باريس 2015 الذي يهدف لتعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المُناخ من خلال الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا القرن أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة ومتابعة الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة بدرجة أكبر حتى 1.5 درجة مئوية.
ختامًا، المنتجات الصناعية ضرورية من أجل البناء ومشروعات البنية التحتية والتصنيع، لكن تنفيذها يحتاج إلى حكمة ومراعاة للاستدامة، خاصة وأن العمل المُناخي يتطلب تعاون عالمي واستثمارات مالية كبيرة للتكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر اخضرارًا، منطلقها الصناعة والزراعة باعتبارهما عماد أي الاقتصاد، على أن يكون التوجه العالمي الجديد نحو صناعات نظيفة ومستدامة قائمة على تقليل التلوث والنفايات، تقوم على الاعتماد على العامل البشري، وهو ما يسهم في تخفيض معدلات البطالة والفقر عالميًا، بقدر الإمكان مراعاة للجانب البيئي.
باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية