فلسفة الحياة عند «الحسن»
كلمات الإنسان حول الحياة والأحياء تحمل خلاصة تجربته فيها، وتعكس منسوب فهمه ووعيه بها.
وقد فهم «الحسن» الحياة بعمق، وباشر أحوال الناس، فاستوعب طبائعهم ومحركات سلوكهم، وعاش حياة عاقلة فيها إقبال متزن على الدنيا التى خلقها الله تعالى لعباده، ولم يحرّم عليهم ما أخرج فيها من زينة وأرزاق طيبة «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، وفيها أيضاً شوقٌ إلى الله ورسوله ووعى بأن الدنيا إلى نفاد وما عند الله باقٍ: «ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ».فلسفة الحياة عند «الحسن» حملتها مجموعة من الأقوال التى نقلتها عن شخصه الكريم كتب التراث.
وهى فلسفة ترى أن جوهر ضياع الإنسان فى الدنيا يرتبط بآفات ثلاث: يقول الحسن رضى الله عنه: «هلاك الناس فى ثلاث: الكبر والحرص والحسد».الكبر.. لا يسمم حياة الإنسان شىء كما يسممها الكبر، وهو ابتداء سمة من سمات الشيطان، وقد دفع به إلى عصيان ربه.
لا يدرك من يسكنه الكبر خطورة ما يسرى فى عروقه. والكبر فى نظر النبى، صلى الله عليه وسلم، يعنى «بطر الحق وغمط الناس»، أى إنكار الحقائق الواضحة وعدم منح الناس حقها الأدبى أو المادى، والتقليل من شأنها وما تستحقه من نصيب فى الحياة، وبالتالى لا يوجد ما هو أخطر على الحياة من الكبر لأنه يدفن قدرات البشر ويدمرها نتيجة إهدارها من كل «متكبر لا يؤمن بيوم الحساب»، ويحول المتكبر إلى عابد لذاته التى لا تؤمن إلا بما يصدر عنها «أفرأيت مَن اتخذ إلهه هواه».
الحرص.. يقول الشاعر أذل الحرص أعناق الرجال. والحرص ليس معناه البخل فى كل الأحوال، بل تمتد ظلاله إلى ما عدا ذلك. الحرص ببساطة يعنى كل سلوك يعكس تعلّق الإنسان بما يستحق وما لا يستحق.
تعلق الإنسان بما يستحقه طبيعى، لكن العلة تحضر حين يتعلق الإنسان بما لا يستحقه، فهذا التوجه يعكس عدم وعى الإنسان بذاته وبما يمتلكه من قدرات، وعزوفه عن طرح سؤال الإمكانية على نفسه، بل يعدو وراء ما يريد دون تفكير، ويكون لديه أتم الاستعداد لإذلال عنقه، وبيع حياء وجهه، وتقديم كل ما يمكنه من تنازلات فى سبيل حرصه على الحصول على ما يريد، والختام فى مثل هذه الأحوال يكون مراً، والمسيح، عليه صلوات الله وسلامه، يقول: «ماذا تكسب إذا ربحت العالم وخسرت نفسك»، وقد لا يخرج الإنسان من الحرص إلا بالذل وإهدار الكرامة.
الحسد.. وظنى أن «الحسن» حين تحدث عن الحسد لم يكن يقصد الفهم الشائع لدى الناس عن العين التى تفلق الحجر والخرزة الزرقاء وغير ذلك، بل كان يضرب بكلمته فى معنى أعمق، يتعلق بالسعى إلى إيذاء الغير حسداً على ما وهبهم الله من نعم، دون وعى بأن الله سبحانه هو «العاطى الوهاب»، ودون إيمان بأن من أعطى غيرك قادر على أن يعطيك أكثر.
فالمعنى الحقيقى للحسد تجده فى أمثلة كثيرة حولك تلاحظ بعضها فى سلوك بعض الأشخاص وتخطيطهم وتدبيرهم للإيقاع بغيرهم وحرمانهم من بعض ما يتميزون به عليهم.. وقديماً قال أجدادنا: «الحسود لا يسود».. فالحسود يظل مرهق النفس مبلبل الخاطر لأنه لا يعرف «الرضا» أو حمد الله على نعمه.
الكبر والحرص والحسد آفات ثلاث تحدث عنها الحسن بن على وجعل التخلص منها مقدمة أساسية لحياة أكثر توازناً.