بول سوليفان يكتب.. المستقبل المشرق للطاقة الشمسية فى مصر

بول سوليفان يكتب.. المستقبل المشرق للطاقة الشمسية فى مصر
نشرت مجلة «ذا ناشيونال» الإماراتية مقالاً للدكتور بول سوليفان، الباحث فى الدراسات السياسية والأمنية، زميل أول غير مقيم فى المجلس الأطلسى وكبير الباحثين فى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، حول تحركات مصر فى مجال الطاقة، خصوصاً الطاقة الشمسية.. وهذا نص المقال:
«رع» هى الكلمة التى استخدمها قدماء المصريين لتسمية الشمس، وهو أيضاً الاسم الذى أطلقوه على إله الشمس، وهو أحد أهم الآلهة فى ذلك العصر، وفى وقت لاحق، حافظ أحفادهم المتأثرون باليونانية على هذا الانبهار بالشمس، اسم هليوبوليس، إحدى أهم مدن مصر القديمة، يعنى حرفياً «مدينة الشمس». كما يتضح بعد آلاف السنين، ستلعب الشمس دوراً حيوياً فى تشكيل مصير البلاد فى المستقبل، إذ إنه قبل وقت طويل من اختيار شرم الشيخ لاستضافة قمة المناخ Cop27 قررت القيادة المصرية أن الطاقة الشمسية ستكون أساسية لمستقبل الطاقة لديها.
وقطاع الطاقة فى مصر، الذى هو ثانى أكبر قطاع فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد المملكة العربية السعودية، يهيمن عليه اليوم الغاز الطبيعى، يليه النفط والطاقة الكهرومائية، كما تمثل المصادر المتجددة حالياً حوالى 21 فى المائة، مع 2 فى المائة فقط من الطاقة الشمسية، وهذا على وشك أن يتغير بشكل كبير.
وبحلول عام 2035، تريد القاهرة أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة 42 فى المائة من إجمالى توليد الطاقة فى البلاد، مع الطاقة الشمسية بنحو 22 فى المائة.
وهذه قفزة كبيرة إلى الأمام للطاقة الشمسية، ولا عجب أنه على مدار العقد المقبل، من المتوقع أن تشهد مصر أكبر نمو فى مصادر الطاقة المتجددة غير الكهرومائية فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع كون الطاقة الشمسية هى المحرك الأكبر لهذا الاتجاه، وضمن هذا الإطار الزمنى، يمكن أن تشهد مصر أكبر نمو فى إنتاج الطاقة الشمسية فى المنطقة، خارج الإمارات العربية المتحدة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون لدى مصر الدولة الواقعة فى شمال أفريقيا أكثر من 52 جيجاوات من قدرة الكهرباء الشمسية بحلول عام 2035، ولوضع هذا فى المنظور الصحيح، بلغ إجمالى قدرة مصر لتوليد الكهرباء فى عام 2020 حوالى 60 جيجاوات. وفى قلب هذه الثورة فى الطاقة الشمسية تأتى محطة بنبان للطاقة الشمسية المترامية الأطراف، التى تقع على بعد 650 كيلومتراً جنوب القاهرة، والتى بلغت تكلفة تشييدها حوالى 4 مليارات دولار قبل عام 2019، وتضم مجمعاً من منشآت الطاقة الشمسية بسعة توليد تبلغ 1.65 جيجاوات. وقد يبدو الرقم الأخير ضئيلاً بالنسبة لقطاع الطاقة فى مصر، ولكن كواحدة من أكبر منشآت الطاقة الشمسية الكهروضوئية فى العالم، فإنه يمثل بذرة التغييرات الجسيمة القادمة فى مصر.
إن تربية طفل يتطلب قرية، كما يقول المثل (أصوله أفريقية)، يعنى حاجة أى نبت لمحيط حوله يساعده على النمو، ومن ثم شمل تشييد بنبان عدداً من اللاعبين، بما فى ذلك مؤسسة التمويل الدولية، وبنك التنمية الأفريقى، والبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وعديد من اللاعبين الآخرين مثلهم من أوروبا وآسيا. كما شاركت فى المشروع مؤسسات مالية خاصة، وخصصت وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف التابعة للبنك الدولى مبلغاً كبيراً للتأمين ضد المخاطر. وقد اتبعت القاهرة نهجاً حكومياً كاملاً فى هذا المسعى، حيث استقطبت عدداً لا يحصى من الوكالات والإدارات، ناهيك عن العديد من مقاولى البناء والتكنولوجيا والإدارة.
وتعتبر قصة بنبان انتصاراً للتعاون والتنسيق المالى والإدارى، كما هو الحال بالنسبة لإنتاج الكهرباء النظيفة، والأهم من ذلك أن هذه الجهود الضخمة والمعقدة هى أيضاً مقياس لمدى الأمل الذى لدى الأطراف المعنية فى مستقبل الطاقة الشمسية فى مصر.
وإلى جانب هذه الزيادات الكبيرة فى مصادر الطاقة المتجددة ومزيد من الاستثمارات فى المحطات الأحفورية، تخطط مصر أيضاً لتطوير محطات للطاقة النووية على ساحلها الشمالى. فى الوقت الحالى، تعد الدولة مستورداً صافياً للكهرباء، ومن المتوقع أن يكون لديها فائض من إمدادات الطاقة بحلول نهاية هذا العقد، وتأمل القاهرة أن يساعد كونها مصدراً صافياً للكهرباء (مستقبلاً) فى تخفيف عجزها التجارى الحالى البالغ نحو 44.2 مليار دولار.
وفى الواقع، فإنه مع زيادة تطوير روابط الكهرباء مع قبرص واليونان وليبيا والأردن والسودان والمملكة العربية السعودية، يمكن أن تزيد صادرات مصر من الطاقة المتعددة. حالياً، يتعامل الاتحاد الأوروبى مع ارتفاع أسعار الكهرباء ونقص الإمدادات بسبب الحرب فى أوكرانيا، ونظراً لقربها الجغرافى، يمكن لمصر، فى وقت ما قادم، التدخل لتلبية احتياجات القارة، ويمكن أن تكون الطاقة الشمسية جزءاً كبيراً من هذا. هذا مهم أيضاً لأنه كلما قامت مصر ببناء نظام كهرباء متنوع، زادت استفادتها من أن تتطور لتصبح سوق كهرباء أفريقية موحدة.
وسيكون لإنتاج الطاقة النظيفة، لا سيما الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، آثار إيجابية غير مباشرة على الصناعات الأخرى فى البلاد، فيمكن استخدام هذه الطاقة، على سبيل المثال، لتوسيع مشاريع تحلية المياه وإنشاء أنظمة تدفئة وتهوية وتكييف أنظف وأكثر كفاءة.
وهناك سبب آخر يجعل القاهرة فى حالة حرب لزيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة بشكل كبير، فمع توقع إضافة 30 مليون مصرى أو أكثر بحلول عام 2035 إلى تعداد سكان مصر، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، ستحتاج إلى بناء مدن جديدة، وسيتطلب النمو الاقتصادى والبنية التحتية والتنمية المصاحبة لذلك كثيراً من الكهرباء.
وستحتاج مصر أيضاً إلى خلق المزيد من فرص العمل لتلبية النمو السكانى السريع، ويمكن أن تصبح أنظمة الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية مصادر ممتازة للتدريب والتعليم للشعب المصرى، فهناك عدد من الوظائف اللازمة لتطوير الطاقة الشمسية، وكل قرش يُستثمر فى الطاقة الشمسية يمكن، بل ينبغى، أن يكون له مقابل يشمل الاستثمارات فى الوظائف والتدريب للمصريين، وتمويل مراكز التدريب والجامعات، ويمكن أن يساعد تحديث هذه الشبكة فى جعل هذه الاستثمارات الجديدة أكثر فاعلية.
وتواجه مصر عدداً من التحديات التى يتعين عليها مواجهتها اليوم، مثل عدد من البلدان الأخرى نظراً لحالة العالم فيما بعد فيروس كورونا، بما فى ذلك التضخم والفقر وانخفاض قيمة العملة. وهذه كلها مشكلات قابلة للحل، وأحد الحلول العديدة التى تعتمد عليها القاهرة هو التنويع المستمر لمصادر الطاقة فى البلاد. إن المصريين استخدموا لقرون قوة الشمس لتغذية جميع مساعيهم وخططهم من الزراعة إلى السياحة، ومن ثم فإن تسخير الطاقة الشمسية هو الخطوة التالية والأكثر منطقية.