في ذكرى اعتقاله.. «الوطن» تحاور سجّان مانديلا الذي أصبح صديقه المقرب

كتب: محمد علي حسن

في ذكرى اعتقاله.. «الوطن» تحاور سجّان مانديلا الذي أصبح صديقه المقرب

في ذكرى اعتقاله.. «الوطن» تحاور سجّان مانديلا الذي أصبح صديقه المقرب

«إنني أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع، حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا»، كانت تلك آخر كلمات خرجت من نيلسون مانديلا داخل قاعة المحاكمة في محكمة ريفونيا، حيث وقف مانديلا على المنصة يشرح معتقداته حول الديمقراطية والحرية والمساواة، ليجد نفسه محكوما عليه بالسجن في أغسطس 1964، لتبدأ رحلة كفاح جديدة خلف القضبان لرجل أصبح ضمن أيقونات القارة السمراء والعالم بأسره.

أربع سنوات كانت كافية ليتحدث حارس السجن الذي قبع مانديلا بداخله، إلى «الوطن»، محاولات عديدة أجريناها مع مدير مكتبه منذ عام 2018، للخروج بهذا الحوار الصحفي مع رجل أبيض انحاز للفطرة الإنسانية وتعامل مع «ماديبا» وهو الاسم الإفريقي لمانديلا، ليتعامل معه كأب وليس سجينا، والذي أصبح الصديق المقرب له حتى وفاته.

براند: لم أكن أعرف من هو نيلسون مانديلا قبل عملي في السجن

«أتذكر حينها كنت صغيرا في السن، لقد أتممت حينها 19 عاما منذ شهور، لأتعرف على الرجل الذي ترك الأثر الأكبر في حياتي، مكان اللقاء كان في جزيرة روبن ذلك السجن شديد الحراسة، كان ذلك عام 1978، لم أكن أعرف من هو نيلسون مانديلا، هذا الرجل لفت انتباهي من ضمن السجناء الآخرين الذين وصلوا لقضاء العقوبة بعد محاكمة ريفونيا، لقد كان هادئا ونظيفا ويبدو قائدا على الآخرين لكنه لم يكن يمارس عليهم هذا الدور، كنت أشعر بذلك وبالفعل كان هذا الشعور صحيحا»، بحسب حديث كريستو براند، حارس سجن جزيرة روبن وصديق مانديلا لـ«الوطن».

كان براند مستجدا في هذه المهنة وحينما وصل إلى تلك الجزيرة الموحشة، قال له قائد السجن: «نحن نعمل مع أخطر المجرمين في تاريخ جنوب إفريقيا، الذين كان من المفترض أن يحكم عليه بالإعدام لكنهم أرسلوا إلى هنا، لا تحاول التواصل مع السجناء إلا في حالة الأمور الطارئة ولا تتحدث في السياسة.. هنا نحن نؤدي عملنا فقط، نحن نراقب كل شيء، أكرر لا تحاول التواصل مع السجناء».

«براند» الذي نشأ في مجتمع ليس له أي علاقة بالسياسة، فتى منحدر من أسرة ريفية، لم يعرف من هو مانديلا، لكنه أخبر قبل وصوله إلى جزيرة روبن أنه بصدد التعامل مع المجرمين الأخطر في موطنه.

يصف كريستو، يومه الأول في روبن بـ«لقاء للتاريخ» فهي المرة الأولى التي يرى فيها مانديلا، ذلك الرجل الذي سأله بكل ود «من أين أنت، وما أخبار عائلتك؟»، لقد أعجب نيلسون بأصوله الريفية، ليتأكد الشاب الصغير حينها أن هناك اختلافا بين حديث قائد السجن وما رآه في رجل يبدو لطيفا، قالوا له إنه «الأخطر هنا»، فالسجان المبتدئ لم يستغرق سويعات حتى يعرف حقيقة أمر هذا الرجل المنحدر من قبيلة عريقة، وترك المحاماة وضحى بمستقبله ليدافع عن بني جلدته.

مانديلا كان يحب الاهتمام بحديقته في السجن

يقول براند: «يوم مانديلا في سجن روبن كان يبدأ في تمام الساعة السابعة صباحا، يتناول وجبة الإفطار ثم ينظف زنزانته بمفرده في تمام الساعة الثامنة، كان يحب التجول بمفرده فمن الواضح أنه يتحدث مع ذاته دون صوت،  أما بين الساعة الثانية عشرة والثانية ظهرا كان يهتم بحديقته البسيطة وأحيانا يلعب التنس أو تنس الطاولة، بدأت أساعده في الاهتمام بالحديقة وأجلب له الأسمدة فترة الإجازات، لقد أحضرت له الطمي أيضا، كان يستمع لموسيقى الجاز ويخلد إلى النوم في تمام التاسعة، إنه السجن، فالإغلاق يكون في نفس التوقيت».

الاتصال بين مانديلا وبراند كان قليلا خلال تلك الفترة، في بعض الأحيان كان يمارس الرياضة خلف الزنزانة، كان يحييه ويسأله عن حالته الصحية، كان براند مهتما بحياة ذلك الرجل السجين.

يحل عام 1982 لتتغير الأمور، حيث كانت هناك محاولات لتحطيم روح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جزيرة روبن، لقد نقلوا بعض القيادات بعيدا عن جزيرة روبن، مثل مانديلا وسيسولو وملانجيني، وأربعة منهم إلى بولسمور.

الاتصال في سجن بولسمور كان أفضل من جزيرة روبن

نٌقل براند إلى سجن بولسمور في ذلك الوقت، حيث كان الاتصال بينهما أفضل، ويقول لـ«الوطن»: «عندما كنت أدخل الزنزانة، كان يعد لي القهوة، كان يصر أن نأكل ونشرب القهوة سويا، كان هناك جو أكثر استرخاء في بولسمور، ثم ناقشنا مشاكله مع رسائله، لقد ناقشت شكواه بالفعل بينما كنا نشرب القهوة».

في أحد الأيام زارت السيدة ويني مانديلا زوجها رفقة حفيدهما الصغير، الذي لم تسمح قوانين السجن بدخوله كشك الزيارة، إلا أنني ذهبت إليها وقلت لها «أريد الاحتفاظ بالطفل لفترة».

أخذ براند الطفل من الباب الخلفي وفاجأ مانديلا ووضعه بين ذراعيه، بشكل غير متوقع، وقال له إنه يجب أن يلتزم الصمت حيال ذلك، لأنه من الممكن أن يفقد وظيفته، لكن كل الذي فعله أن أمسك بالطفل وقبله، كانت هناك دموع في عينيه في تلك اللحظة، انتزع الحراس الطفل من ذراعيه على الفور، وأعادوه إلى ويني التي لم تعلم أنه رأى الطفل إلا بعد خروجه من السجن، حيث يصف براند هذه اللحظة المؤثرة: «لقد أبقى مانديلا ما حدث سرا».

مانديلا اعتبر براند ابنه الذي يتعلم منه

تطورت الصداقة بين براند ومانديلا فيما بعد، حيث اعتبره الأخير أنه ابنه الذي يتعلم منه ولم تنقطع تلك الصداقة بعد الإفراج عنه أو حتى توليه منصب الرئيس في جنوب إفريقيا بل امتدت للأجيال التالية، فبراند على علاقة جيدة بأبناء وأحفاد مانديلا.

يختتم براند حديثه لـ«الوطن»: «افتقدك كثيرا يا صديقي، يا من كان الجميع في جزيرة روبن وبولسمور والناس في الداخل والخارج ينظرون إليك كزعيم، حتى لو كان هناك شخص من خلفية سياسية مختلفة، فهو يحترمك».


مواضيع متعلقة