عودة نائب الجن والعفاريت

لست من هواة الفرجة على الأخت «ريهام سعيد».. ولا أحتمل الجلوس لدقيقة واحدة أمام طلّتها البهية التى انتقلت من شاشة مملوكة لرجل أعمال، إلى أخرى مملوكة لرجل أعمال. ولم يكن وارداً فى حساباتى أبداً أن أتوقف لأكتب عنها، ولو من باب «محاربة الدجل وإشاعة الخرافة»، لأننى منذ رأيتها لأول مرة على شاشة إحدى الفضائيات أدركت -بحكم خبرتى لا أكثر- أنها مجرد عرَض لمرض كامن فى المشهد الإعلامى المصرى، وأن التركيز فقط على ما تفعله «ريهام سعيد» هو فى النهاية نوع من الجبن الأخلاقى، لأن «ريهام»، قبل كل شىء وبعده، مجرد أداة جاهلة، لا أظن أبداً أنها تملك القدرة على إدراك ضحالة أو تفاهة أو خطورة ما تقوله أو تفعله.. وفى المقابل أثق تماماً فى أن الذين منحوها هذه المساحة على الفضائيات هم الأحرى بالمساءلة، لأنهم يعرفون ماذا يفعلون بها وبنا.. وكم يربحون من هذه الفضائح التى تقدمها؟! والحقيقة أن مصادفة جيدة هى التى دفعتنى إلى الكتابة عن الحلقة الأخيرة من برنامج «صبايا الخير» التى استضافت فيها الأخت ريهام عدداً من الفتيات المسكونات بالجان، ولجأت إلى أحد المعالجين لإخراج الجان من أجسادهن على الهواء. ولأننى، أينما ذهبت، وجدت اهتماماً واسعاً من المواطنين بهذه الحلقة فاق اهتمامهم بقانون تقسيم الدوائر الانتخابية وغلاء أسعار كل شىء، وانهيار أسعار النفط، وزيارة «السيسى» إلى الصين، واستقبال السيسى لوفد شعبى إثيوبى فى مقر الرئاسة، فقد عدت إلى ما تم نشره عن الحلقة لأفهم بالضبط سر هذا الاهتمام الكاسح، وإذا بى أفاجأ بأن المعالج الذى استضافته «ريهام» وقام بإخراج الجان من أجساد الفتيات على الهواء، هو نفسه الشيخ علاء حسانين.. وما أدراك ما هذا الشيخ.. ولا ما هى حكايته؟! إنه بشحمه ولحمه علاء حسانين عضو مجلس الشعب لدورتين كاملتين من عام 2000 وحتى عام 2010 عن دائرة ديرمواس بمحافظة المنيا، والذى شغل خلال الدورتين موقع وكيل اللجنة الدينية بالمجلس، وهى اللجنة التى كان يرأسها الدكتور أحمد عمر هاشم. وخلال العشر سنوات لم يُضبط النائب علاء حسانين متلبساً -والعياذ بالله- بتقديم سؤال أو حتى طلب إحاطة عن أى قضية، بل لم يشاهده أحد متحدثاً فى أى جلسة من جلسات البرلمان، ليس لأن الرجل -لا سمح الله- لا يجيد الحديث، ولكن لأنه كان مشغولاً حتى النخاع «بفك الأعمال وإبطال السحر والعكوسات والحسد»، لعدد ضخم من كبار رجال الدولة، قيل إن من بينهم ابنى الرئيس الأسبق مبارك ورجال حاشية ابنه جمال، وبطانة القصر الرئاسى.. ويقال -والله أعلم- إن خدمات نائب الجن والعفاريت تجاوزت رجال الدولة الكبار إلى بناتهم وزوجاتهم، وإن إنجازاته فى «فك العكوسات» لم تتوقف عند الأحوال السياسية لرجال الدولة، وإنما عبرتها إلى فضاء البيزنس الخاص بكبار رجال الأعمال المحيطين بجمال مبارك. اللافت فى حكاية هذا «النائب عن الجان» فى برلمان حسنى مبارك لمدة عشر سنوات أن خدماته امتدت لتشمل سياسيين ودبلوماسيين عرباً، كان كل منهم كلما استشعر خطراً على موقعه، أو شعر بشىء من غضب دولته على أدائه سارع إلى الشيخ «علاء» ليحصّنه ضد الحاسدين بحجاب أو «رقية»، وقد ظهر جانب من هذه العلاقات الدبلوماسية لنائب الجن عندما داهمت قوة من مباحث الأمن الوطنى منزل أحمد قذاف الدم فى الزمالك فى مارس 2013 للقبض عليه، فوجدوا «علاء حسانين» إلى جواره، وقد سُئل علاء عن سبب وجوده مع قذاف الدم فى هذا الموقف العصيب، فأجاب: إنه لا يثق فى أحد بمصر غيرى.. وعلاقتى به تعود إلى أكثر من عشرين عاماً. المدهش فى هذا الظهور للأخ علاء حسانين، وفى برنامج الأخت ريهام سعيد، أنه تزامن تماماً مع الجدل الدائر فى مصر حول مشروع تقسيم الدوائر الانتخابية، وقرب انتخابات البرلمان المقبل، وكان قبلها بأسبوعين فقط قد سافر إلى «قنا» لإطفاء الحرائق التى اشتعلت ذاتياً فى عدد من بيوت قرية «الترامسة». ومن هناك أعلن، دون أن يطرف له جفن، أن سبب الحريق هو أن مواطناً من القرية اعتدى على أمير من أمراء الجن كان متخفياً فى هيئة «قط»، فقررت أمة الجن الانتقام من أهل القرية. وقد تمكن الشيخ -بفضل الله- من صرف الجن وإنقاذ القرية من الحرق!.. وهو إنجاز أتوقع أن يحمل نائب الجن والعفاريت مرة أخرى إلى مجلس الشعب المقبل!