«أستار الكعبة».. صناعة مصرية من عهد «الخلفاء» حتى «ناصر»

«أستار الكعبة».. صناعة مصرية من عهد «الخلفاء» حتى «ناصر»
- كسوة الكعبة
- صناعة كسوة الكعبة
- صناعة كسوة الكعبة في مصر
- تاريخ كسوة الكعبة في مصر
- كسوة الكعبة
- صناعة كسوة الكعبة
- صناعة كسوة الكعبة في مصر
- تاريخ كسوة الكعبة في مصر
على مدار قرون عديدة، بدأت مع عصور الإسلام الأولى، وصولا إلى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان لمصر شرف صناعة كسوة الكعبة، ونقلها إلى الأراضي الحجازية على «المحمل» في مهمة مقدسة، طالما تعلقت بها قلوب كل من عملوا في صناعتها ونسيجها، وأبهجت جموع المشاركين في احتفالات موكبها الرسمية والشعبية.
منذ عصر الخلفاء الراشدين جاءت علاقة مصر بصناعة «أستار الكعبة»، هكذا بدأ محمود مرزوق، الباحث في الآثار الإسلامية، حديثه لـ«الوطن» حول تاريخ صناعة «الكسوة»، قائلاً: «وقتها كانت مصر تتميز بالنسيج القباطي، الذي استخدم لحياكة الكسوة، ومع الانتقال إلى العصر العباسي، أُسندت المُهمة المشرفة إلى مدينة (تنيس) في بورسعيد».
باحث أثري: استخدموا النسيج القباطي في حياكتها.. وخصصوا أوقافًا بـ«القليوبية» للإنفاق عليها
حياكة الكسوة المشرفة على مدار العصور، لم تشهد تغيرات كثيرة، إلا أنها تميزت في كل عصر عن غيره بلمسة خاصة، بحسب «مرزوق»: «في العصر الفاطمي كان يستخدم اللون الأبيض في الحياكة، ومع العصر المملوكي خصصت مصر أوقاف قريتي (باسوس وأبو الغيط) في محافظة القليوبية، للإنفاق على الكسوة المشرفة، ومع الانتقال إلى عصر الدولة العثمانية، وتحديدًا مع عصر الوالي محمد علي، تم تأسيس دار الكسوة، في الخرنفش عام 1833 وظلت تعمل على إعدادها حتى عام 1962».
تعود الاحتفالات الشعبية والرسمية المرتبطة بمحمل الكسوة إلى مئات السنين، أوضح «مرزوق» أن بداية المحمل، ترجع إلى عهد شجر الدر، لكن الاحتفالات الفلكورية الشعبية كانت مع عهد الظاهر بيبرس البندقداري، ثم استمرت حتى القرن العشرين.
من عهد إلى آخر تميزت مظاهر الاحتفالات الفلكورية، ففي العصر المملوكي كان يجري تنصيب «أمير الحج»، هو الشخص المسئول عن سير القافلة إلى الأراضي الحجازية، ووضعت شروط عديدة لاختياره منها أن يكون متمتعًا بالحنكة العسكرية والحكمة وقدر من التدين وحسن السمعة.
«مرزوق» احتفال «المحمل» بدأه الظاهر بيبرس.. والشيخ الباقوري أخر أمراء الحج.. وتقبيل خف الجمل أغرب المظاهر الفلكورية
وأوضح «مرزوق» أن منصب «أمير الحج» تولاه العديد من الشخصيات المشهورة منهم طومان باي، آخر سلطان مملوكي، أما بعد ثورة 23 يوليو عرف أمير الحج باسم رئيس بعثة الحج الرسمية، كان يتم اختياره من قبل رئاسة الجمهورية، ويعتبر الشيخ أحمد حسن الباقوري، وزير الأوقاف في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، آخر من حمل هذا اللقب.
استرجع «مرزوق» احتفالات المحمل التي وثقها الكثير من المؤرخين مثل الجابرتي والمقريزي، وعرفت بالدقة الشديدة بداية من اختيار الجمل الذي يوضع عليه الهودج ويتقدم على محمل الكسوة، الذي ينطلق من دار الكسوة في حي «الخرنفش» في منطقة الجمالية بالقاهرة، إلى كشك المحمل في ميدان القلعة، وتم إنشائه في عهد الخديوي إسماعيل.
وحول المظاهر الشعبية المرتبطة بمحمل الكسوة، أوضح الباحث الأثري، أنه منذ الإعلان عن بداية الاحتفالات تتجه الجموع للمشاركة بالاحتفالات من خلال الطبل والمزمار والزغاريد والأهازيج الدينية، التي شهدت بعض التصرفات الغريبة مثل تقبيل خف الجمل الحامل للكسوة، كما أن من المظاهر التي خلدت الاحتفالات الفلكورية حتى اللحظة، تأليف الأغاني، ومنها الأغنية الشهيرة للفنانة الراحلة أسمهان «عليك صلاة الله وسلامه»، التي تغزلت كلماتها في وصف محمل الكسوة.
بدأ الطابع الرسمي يظهر في الاحتفالات المحمل، بداية من عصر محمد علي، إذ حضر الخديوي أو الملك وقتها، هذه الاحتفالات في صورة رسمية، وسط مشايخ الطرق الصوفية والوزراء وسفراء بعض الدول الإسلامية والأجنبية، حيث يُقبّل الحاكم المحمل، قبل أن يُسلمه إلى أمير الحج ليبدأ مسيرته نحو الأراضي المقدسة.
واستمر المشهد المهيب حتى عام 1953، فمن بعده انحصرت الاحتفالات في وضع محمل الكسوة أمام المشهد الحسيني أو قصر عابدين، ومن ثم انطلاقه إلى الأراضي الحجازية عن طريق قناة السويس، إلى أن توقفت مصر نهائيًا عن مهمتها المقدسة في صناعة كسوة الكعبة الشريفة، لتتولاها من بعدها المملكة العربية السعودية.