بروفايل| هدى شعراوي.. حاملة لواء ثورة "تحرير المرأة"

بروفايل| هدى شعراوي.. حاملة لواء ثورة "تحرير المرأة"
لأكثر من 50 عامًا ناضلت لرفع الظلم عن المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، لتكون أولى الرائدات اللاتي نادين بتحرير المرأة.. نور الهدى محمد سلطان، أول رئيس للاتحاد النسائي في مصر، التي لعبت دور مهم في ثورة 1919 حين قادت أول تظاهرة نسائية ضد الانجليز.
ولدت لعائلة ثرية في محافظة المنيا عام 1879، فهي ابنة محمد سلطان باشا، الذي بلغت ثروته حوالي 12 ألف فدان، كما أنه كان رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق، حفظت القرآن الكريم في سن التاسعة، وتعلمت الفرنسية والتركية، وكانت تهوى القراءة.. حين توفى والدها كانت في الخامسة في عمرها، وتولى ابن عمها والوصي عليها علي باشا شعراوي تربيتها ورعايتها، وكان شخصيته صارمة حازمة، لا يحبذ تعليم البنات، فحرمها من استكمال تعليمها.
تمردت "هدى" لأول مرة في الثالثة عشرة من عمرها على عمها، حين رفضت الزواج من ابن عمها علي شعراوي، الذي يكبر عنها بـ40 عامًا ومتزوج، لكن لم يكن هناك مخرج حينذاك، فأشارت عليها والدتها أن توافق شريطة أن يُطلّق شعراوي زوجته الأولى وتذهب معه إلى القاهرة، وأن ينص على هذا في عقد الزواج، وافقت "هدى" بعد إلحاح من أمها وتمَّ الزفاف في حفل ضخم، ليتغير لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى شعراوي تقليدًا للغرب، وأنجبت منه "بثينة" و"محمد".
قيّد زواجها حريتها بشكل غير مبرر، ما أصابها بالاكتئاب لفترة حتى سافرت لأوروبا للاستشفاء، وهناك تعرفت على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة؛ الأمر الذي شجعها في أن تحذو حذوهم، ليبدأ مشوارها في تحرير المرأة بعد انبهارها بالمرأة الإنجليزية والفرنسية، حيث تعرفت على بعض الشخصيات المؤثرة التي كانت تطالب بتحرير المرأة، عند عودتها أنشأت مجلة "الإجيبسيان" التي كانت تصدرها باللغة الفرنسية.
كان لزوجها نشاط سياسي ملحوظ، وكان لعلاقته بسعد زغلول أثر كبير على نشاطاتها، فشاركت بقيادة تظاهرات تضم قرابة 300 سيدة مصرية في 16 مارس عام 1919، للمناداة بالافراج عن سعد زغلول ورفاقه، وخرجت لتواجه فوهة البندقية البريطانية، ووقعت في هذه التظاهرة أول شهيدة للحركة النسائية، ما أشعل حماس بعض نساء الطبقات الراقية اللاتي خرجن في مسيرة ضخمة رافعات شعار "الهلال والصليب" دليلًا على الوحدة الوطنية، للتنديد بالاحتلال وتوجهت هذه المسيرة إلى "بيت الأمة"، وأصبح هذا اليوم بعدها "يومًا للمرأة المصرية"، وأسست "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وقامت بالإشراف عليها.
ساهمت في إنشاء "مبرة محمد علي" لمساعدة أطفال المرضى في العام 1909، وكانت من أولى المساهمات في تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914، كما أسست لجنة تحت اسم "جمعية الرقي الأدبي للسيدات" في أبريل سنة 1914.
في العام 1921 أثناء استقبال المصريين لسعد زغلول، خلعت نقابها أمام الملأ، لتعلن بداية مرحلة جديدة في مسار المرأة العربيّة نحو المساواة، في حديث لها قالت "هدى": "..ورفعنا النقاب أن وسكيرتيرتي سيزا نبراوي وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافرًا لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيرًا أبدًا لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو (سعد) متشوقين إلى طلعته".
بعد مرور عامين، أسست هدى شعراوي جمعية الاتحاد النسائي المصري عام 1923، الذي كان يهدف إلى رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي والمساواة مع الرجل للحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية، تكون هذا الاتحاد من 12 على رأسهم هدى شعراوي وشريفة رياض نائبة رئيسة الاتحاد، وسكرتيرتين هما إحسان القوسي وسيزا نبراوي، بجانب عدد من أعضاء "لجنة الوفد المركزية للسيدات".
مثلت هدى شعراوي المرأة المصرية لأول مرة حين دُعيت بصفتها رئيسة لجمعية الاتحاد النسائي المصري لحضور مؤتمر النساء الأول الذي انعقد في روما في الفترة من 12 إلى 19 من مايو عام 1923، وخرجت ثلاث سيدات لأول مرة يمثلن مصر في مؤتمر دولي وهن هدي شعراوي ونبوية موسى وسيزا نبراوي، ثم في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي العاشر في باريس عام 1926، اختيرت هدي شعراوي عضوًا في اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائي الدولي، فأصبحت الممثلة الوحيدة للمرأة في بلاد الشرق الأقصى والأدنى في هذه اللجان، وكذلك انتخبت ضمن أعضاء اللجنة المعنية ببحث مسألة السلام الدولي، وفي 1935 انتخبت هدى نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي وكانت أول شرقية تنال هذا المنصب الدولي.
انشغلت هدى أيضًا بالقضايا العربية فعقدت المؤتمر النسائي الشرقي عام 1938 في حضور الرموز النسائية من البلاد العربية للدفاع عن حقوق عرب فلسطين، كما قامت بتشكيل الاتحاد النسائي العربي عام 1944، وكرمتها معظم الدول العربية، حيث نالت ميدالية الاستحقاق اللبنانية الفخرية الذهبية، وأهداها الرئيس السوري نيشان الاستقلال المرصع، فهي أول سيدة تحصل عليه، كما منحها الملك فاروق الوشاح الأكبر نيشان الكمال.
حاولت "شعراوي" إصلاح قانون الأحوال الشخصية، فيما يخص الحضانة والزواج، وطالبت بحقوق المرأة النيابية، وهي صاحبة الجهد الكبر في تحديد سن زواج الفتيات على ألا يقل عن 16 عامًا، توفيت هدى شعراوي في القاهرة في 13 ديسمبر 1947 أثناء كتابتها بيانا في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صف واحدًا في قضية فلسطين، بعد صدور قرار التقسيم من قبل الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947.
خلدت هدي شعراوي وقائع مهمة للغاية في تاريخ الوطن من تحالفات ومواقف سياسية، وشاركت بمواقفها ورؤيتها في فترات فاصلة في حركة التحرر الوطني والصراع ضد الاستعمار الأجنبي، وتطور ونمو الحركة النسائية المصرية.