بريد الوطن .. القاهرة.. وذكريات زائر أسيوطى لأول مرة

كتب: رنا حمدي

بريد الوطن .. القاهرة.. وذكريات زائر أسيوطى لأول مرة

بريد الوطن .. القاهرة.. وذكريات زائر أسيوطى لأول مرة

حين سافرت إلى القاهرة لأول مرة فى حياتى كان عمرى وقتها عشر سنوات، كنت أتابع فى سذاجة طفولية لوحات السيارات العابرة، لأتفاءل بأرقام بعضها، وأتشاءم من بعضها الآخر!‏ كان الجو داخل القطار يومها شديد البرودة، ولسعات الصقيع تلفح جسدى المرتعد من هدير عجلات القطار وهى تنهب القضبان، انزلقت شيئاً فشيئاً تحت شال أبى، فاحتضننى فى إحساس مرير بأن كل أغطية العالم غير قادرة على تدفئتى مثل حضن أبى،‏ راعنى ذلك المشهد الذى رأيته حين خرجت من بوابة محطة قطار رمسيس، عندما شاهدت كلباً أبيض ذا شعر حريرى مجعد ينظر من خلف زجاج نافذة سيارة فخمة تقودها سيدة ثلاثينية جميلة يجلس بجوارها، كانت تداعبه بأصابع ناعمة مطوقة بالذهب والألماس، وبابتسامة متأنقة وراء أسنان ناصعة البياض تمضغ العلكة.. قارنت بين هذا الكلب المدلل وكلاب قريتنا المشردة الجائعة، لحظتها عصفت بى التداعيات ودق سؤال فى رأسى: هل الكلاب مثل البشر خلقت درجات؟ لا تزال صورة أبى وهو يرتعد من البرد بعد أن لف جسدى النحيل بشاله الثقيل، فى حين يقبع الكلب بجوار صاحبته داخل سيارة فخمة ينعم بدفئها! تخيلت أطفال قريتى وحرمانهم من التعليم والسكن والدفء والضمان والرعاية الصحية واللعب، تذكرت كل حالات البؤس والفقر وأنا أتابع سير السيارة الفخمة حين انحدرت باتجاه منطقة راقية، فى حين واصلت سيارتنا فى سيرها نحو منطقة شبرا العشوائية، عندها لم أستطِع حماية قلبى من ضربة فى صميمه من المجهول الذى ينتظرنى!

يوسف القاضى - مدير مدرسة بالمعاش

يتشرف باب «نبض الشارع» باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com


مواضيع متعلقة