«كى لا تذهب دماء شيرين سدى»
متى سيصدر التقرير النهائى من النيابة العامة الفلسطينية فى واقعة إعدام الشهيدة شيرين أبوعاقلة؟ إنه حديث الساعة على ألسنة الرأى العام الفلسطينى والإعلامى، فإلى متى سيستمر هذا البطء فى إصدار التقرير الواضح وضوح الشمس؟! وما مصلحة جهات التحقيق الفلسطينية فى التأخر عن إصداره؟. فى كل يوم يتأخر إصدار التقرير، يمسى يوماً لإبراد القضية التى اشتعلت فى العالم كله، بحثاً عن الحقيقة، لم يكن هناك ما يمكن إخفاؤه فى ملابسات قتل شيرين بدم بارد، وكل الأدلة تدين الاحتلال، والرصاصة التى اخترقت جسدها وانفجرت فى جمجمتها لتصبح أثراً بعد عين، واضحة للطب الشرعى، وشهدت عليها زميلتها جيفارا البديرى، حينما قالت إنها عند محاولتها إلباس صديقتها ورفيقة دربها الثوب الأبيض، لمست رأسها من الخلف، ولم تجد منه سوى القشرة الخارجية (فروة الرأس) وأن عظام الجمجمة اختفت! فهل هناك ما هو أكثر مصداقية من تلك الشهادة، وجيفارا لا تعلم من أمور التشريح ولا الطب الشرعى شيئاً، لكنها أشارت لما رأته. وهذا لا يحدث إلا فى حال إطلاق النار من رصاص متفجر لا يستخدمه سوى إسرائيل، لأنه محرم دولياً، فعندما تخترق رصاصة من هذا النوع جسد المستهدف، فهى تدمر الأعضاء القريبة من مكان الإصابة، وهو بيت القصيد، وما أرادته إسرائيل بغية القتل المباشر. قيل إن معهد الطب الشرعى الموجود فى جامعة النجاح بنابلس لديه أكفأ التقنيات على مستوى فلسطين، إذن لماذا هذا البطء فى إصدار التقرير حتى اللحظة؟ وما الهدف من ذلك؟
رفضت السلطة الفلسطينية مشاركة إسرائيل فى التحقيق، وهو أمر محمود يحسب لها، وتطالب دول ومؤسسات حقوقية عديدة، بما فيها قناة الجزيرة، بإجراء تحقيق شفاف وسريع حول الحدث الجلل، واليوم طالب أعضاء من الكونجرس الأمريكى بأن يحقق الـ(FBI) فى استشهاد شيرين، وتقول الرسالة الأولية التى حتماً ستخضع لتغييرات مع تزايد أعداد الموقعين عليها: «نظراً للوضع الهش فى المنطقة والتقارير حول وفاة السيدة أبوعاقلة، نطلب من وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) فتح تحقيق»، حيث يرعى مشروع القانون حتى الآن عضو الكونجرس أندريه كارسون ولو كوريا دى، وهما بصدد جمع التوقيعات على الرسالة، والكتاب موجَّه إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى كريستوفر راى ووزير الخارجية أنطونى بلينكن، وتطلب مسودة الرسالة إجراء تحقيق من مكتب التحقيقات الفيدرالى وكذلك وزارة الخارجية حول ما إذا كان مقتل الصحفية الأمريكية أبوعاقلة فى الأراضى التى تحتلها إسرائيل ينتهك أى قوانين أمريكية. وتقول الرسالة: «نكتب إليكم بشأن شيرين أبوعاقلة، وهى فلسطينية أمريكية تبلغ من العمر 51 عاماً وتعمل صحفية فى قناة الجزيرة، برصاصة قاتلة فى مدينة جنين بالضفة الغربية فى 11 مايو 2022. نطلب من وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) فتح تحقيق فى وفاة السيدة أبوعاقلة، كما أفادت التقارير بأن الصحفيين الفلسطينيين الذين كانوا برفقة السيدة أبوعاقلة والسيد على السمودى فى ذلك الوقت قالوا إنهم أبلغوا الجنود الإسرائيليين بوجودهم، وإنهم لم يروا مسلحين فى المنطقة».
التأخير فى إصدار التقرير من جهات التحقيق الفلسطينية سيضر بالقضية، حتى لو كانت الرسالة الموجهة من أعضاء الكونجرس إلى مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى لاستجلاء الحقيقة، تحمل نوايا حسنة، فلا يمكن الوثوق بالإدارة الأمريكية، التى قد تتقاطع تحقيقاتها مع تحقيقات السلطة الفلسطينية، فالثابت أن الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل أياً كانت النتائج، والتجارب السابقة فى هذا الشأن عديدة، ولا يمكن أن ننسى تقرير «جولدستون» الذى صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، بعد الحرب التى شنتها ضد قطاع غزة عام 2008. ورغم أن التقرير كان جائراً حينما ساوى بين الضحية والجلاد، لكن كان بإمكان السلطة الفلسطينية التى تعرضت إلى ضغوط وابتزاز ثقيل، الذهاب به إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنها لم تفعل؟!. الخشية من تكرار ما حدث فى السابق، مع الشهيدة «شيرين أبوعاقلة»، فأى تأخير فى صدور تقرير النيابة العامة النهائى قد يقلل من زخم القضية، التى لا يزال تأثيرها مدوياً، وخروجه الآن يعطى مصداقية أكبر، ومشهد قتل شيرين البشع راسخ فى الأذهان.