«الوطن» تتجول فى شوارع القاهرة الخالية يوم «ثورة الشباب المسلم»
على طول شارع التحرير بمنطقة الدقى، منذ أن تطأ قدماك الشارع، لن تلاحظ سوى لجان شرطية للمرور على الطريق، ومحال أغلقت أبوابها، وسيارات قليلة تمر فى سرعة، لا يوقفها سوى أحد الكمائن، والشارع خالٍ من المارة، ومصر «فاضية».[FirstQuote]
دقات الساعة تعلن الثانية والنصف ظهراً، كوبرى الجلاء يخلو من المارة، لا وجود إلا للجان الشرطة، وعدد من القوات على مطلع الكوبرى المجاور لقسم شرطة الدقى.
لم يختلف مترو الأنفاق كثيراً عن شوارع القاهرة، فهناك عربات خالية تماماً من الركاب، وأخرى بها القليل، مع انتشار رجال الأمن على المداخل الخارجية للمترو، وهناك آخرون يقومون بتفتيش حقائب الركاب قبل دخولهم المحطة.[SecondImage]
دقات الساعة الثالثة عصراً، المكان هو محطة مترو العتبة، أشد محطات المترو ازدحاماً، خاصة فى يوم الجمعة، حيث يتوجه الناس إلى منطقة العتبة والأزهر، لشراء مستلزماتهم، لكن المشهد لم يكن مثل أى يوم آخر، منذ اللحظة الأولى التى تخرج فيها من محطة العتبة، لا تجد أحداً، سوى عدد قليل من المارة، معظم مكتبات سور الأزبكية أغلقت أبوابها، لا وجود للباعة أو المواطنين، إلا أن علاء عبدالحق صاحب إحدى المكتبات، لم يهتم بتلك الدعوات، وتحرك فى الصباح وفتح مكتبته، قائلاً «همّا مكبّرين الدنيا، الموضوع خد أكتر من حجمه، والإعلام زوّد الحكاية، بس أنا نزلت أشوف شغلى».[SecondQuote]
يقول «علاء»: «لا يمكن تصديق هذا المشهد، خاصة أن اليوم هو يوم الجمعة، الذى تنتظره جميع المحال والمكتبات، لأنه اليوم الذى يتكدس فيه المواطنون بالمنطقة، لكن الدعوات بالتظاهر التى تم إطلاقها، جعلت الكثير من أصحاب المحال، يجلسون فى بيوتهم».
وفى حين اكتفى الباعة الجائلون بميدان العتبة بوضع غطاء من البلاستيك على بضاعتهم، جالسين على المقاعد فى الشارع، خلا شارع الأزهر، الأكثر ازدحاماً فى شوارع مصر، والمنطقة التجارية الكبرى، بداية من شارع بورسعيد، وصولاً إلى الجامع الأزهر ومنطقة الحسين، من المارة، لا تجد سوى محال مغلقة، ومحال أخرى تغلق أبوابها، وأصحاب محال يجلسون على الأبواب، لا بيع ولا شراء.[ThirdImage]
عينان ضيقتان، يعلوهما حاجبان خفيفان، وجلباب يرتديه الرجل السبعينى فرحان الشحات، وهو جالس أمام بيته بشارع الأزهر، الذى يتخذ الدور الأرضى فيه مصنعاً للكراسى الخشبية التى يعمل بها منذ عقود مضت، يقول فى غضب «الوضع يحزّن، ده يوم الجمعة اللى بنستناه، عمركم شفتم الشارع فاضى كده، أنا هنا فى الأزهر طول عمرى، وحزين على الحال اللى واقف، مفيش لا بيع ولا شرا، مش ممكن يكون ده هو يوم الجمعة».
أمام جامع الحسين، قبيل رفع أذان المغرب بدقائق قليلة، خلا المكان تماماً من الناس، لا وجود سوى للبعض جالسين على الأرصفة، حتى المقاهى والمطاعم فى الميدان، لم تجد مقاعدها من يجلس عليها، لا وجود إلا لقوات الأمن فى كل جانب، فى اللحظة التى تأتى فيها امرأة خمسينية، مرتدية عباءة سوداء، تسير فى سرعة، وتقول «الحقوا امشوا، عشان مفيش عربيات ولا مواصلات تركبوها».
على طول شارع الجمهورية، من العتبة إلى رمسيس، المكتظ دائماً بالمارة والسيارات، خلا الشارع تماماً من المارة، فكان أشبه بساعات تطبيق حظر التجوال، فأغلقت قوات الأمن الطريق أمام مبنى البنك المركزى، والمحال جميعها مغلقة أبوابها، لا أحد يسير فى الطريق، ولا صوت يعلو، سوى نباح الكلاب تعوى فى الطريق.
فى ميدان طلعت حرب، خلا الميدان بشكل غير متوقع من المارة والسيارات، فيما جلس القليل من الناس أمام المحال، أما مقاهى البورصة الشهيرة بازدحامها الدائم، فاختفى وجودها فى ذلك اليوم، الشوارع كلها خالية تماماً، تكسوها حالة تامة من الظلام، فقط صوت القطط والكلاب التى تمرح فى الشوارع الخالية.
فى الساعة السادسة والنصف، يخلو كورنيش النيل من المحبين، المراكب الصغيرة تخلو من الناس، حتى أصواتها العالية اختفت وسط الظلام، كما خلا أيضاً كوبرى قصر النيل من الناس والزحام، لم يكن عليه سوى بائع «غزل البنات»، يتحرك بخطى واسعة والهواء يحرك أكياس الحلوى الملونة، وصوت صفارته وحده يؤنس حالة الصمت والسكون.
أمام دار الأوبرا المصرية، حالة من الهدوء التام، أبواب الأوبرا مغلقة، ولا يظهر منها سوى أضوائها اللامعة، فأمام البوابة الرئيسية، وقفت سيارة أجرة، ينادى السائق منها «كوبرى الخشب، فيصل»، لكن لم يجد من يستجيب له، فأخذ سيارته وتحرك فى طريقه.