الوطن وطنك

هدى رشوان

هدى رشوان

كاتب صحفي

سر من أسرار الصحافة يكمن فى ممارسيها.. هم قوتها وهى قوتهم.. لغة خاصة جداً لا يدركها إلا من وصل إلى مرتبة عشق المهنة فيظهر عشقه فى كل جملة يكتبها سواء كان خبراً أو تحقيقاً أو مقالاً.. كل فنون الصحافة تعكس درجة كاتبها إذا ما كان صحفياً فقط أم صحفياً عاشقاً.. وإننى لأعد نفسى من هؤلاء العشاق. نعم.. أعشقها منذ نعومة أظافرى. لم أفكر فى مهنة أخرى فى حياتى غيرها فأوتيت حظها وكنت من الجيل الجديد فى الصحافة المستقلة الذين تم اختيارهم بدقة شديدة على يد كبار الكتاب الذين رفعوا شعار وقتها: «نريد جيلاً جديداً من الصحفيين لم تتلوث دماؤه بالصحافة المصرية».

خضت التجربة وتمرست فى المهنة، حتى بدأ الاستعداد لانطلاق جريدة «الوطن»، لم أستطع منع نفسى من خوض المغامرة الجديدة والصعبة والمحاولة الجادة فى بلاط صاحبة الجلالة، وقتها كانت مغامرة صحفية فريدة كل ما سمعته ورأيته عنها جعلنى لا أستطيع أن أقاومها مطلقاً، وأتذكر كلمات أساتذتى فى اليوم الأول لى: «الوطن وطنك.. قوته فى ناسه».

10 سنوات على «قوته فى ناسه» ليس فقط شعاراً ولكن هو كلمة السر فى عنوان نجاح «الوطن»، الذى كان وما زال هو الموجّه والملهم لى ولزملائى نؤكده بعد كل إشادة وكل شكر.. نعم استطعنا من خلاله أن نحلم ونحقق الحلم رغم كل الضغوط والصعوبات وبفضل الله استطعنا أن نجعل تجربة الوطن البصمة الأهم فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية.

حينما أشاهد مسلسل «الاختيار» أتذكر كل لحظة مرت من عمر «الوطن»، الأم والجريدة، أتذكر معاركنا فى الخلاص، فلم نختر الصمت أو الوقوف مكتوفى الأيدى، وإنما قررنا المشاركة فى كتابة تاريخ جديد بعيداً عن حكم جماعة الإخوان، الذى كاد أن يسلب مهنيتنا بعد ثورة يناير. أتذكر اليوم الذى أُعلن فيه فوز محمد مرسى وحالة البكاء الهستيرى التى انتابتنى وقتها وكنت فى الوطن «الجريدة»، وأتذكر يوم الخلاص والزغاريد التى أطلقتها فرحاً فى صالة التحرير وكان صداها يسمّع 7 أدوار فى الجريدة، وأتذكر أيام وليالى الرعب المتواصل التى عشتها وكنت من سكان «رابعة» والخوف من أن يستوقفنى أحدهم ليعلم أننى أحد أبناء جريدة الوطن. أتذكر التغطية الميدانية ليوم فض «رابعة» و«النهضة» وزملائى المصابين بخرطوش الإخوان. أتذكر انفرادى فى المعايشة التى خضتها فى المنزل الذى اختبأ فيه مرشد الإخوان بعد ساعات قليلة من القبض عليه والمكافأة المميزة التى حصلت عليها.

كنت صحفية ورقية، لديها مهارات المرونة، والقدرة الكاملة على القيام بكل ألوان الصحافة فى لحظة واحدة، والقدرة على متابعة جميع المصادر والتنقل بينها بسلاسة دونما هبوط فى المستوى. كنت ملكة زمانى، أمتلك وحدى الأدوات التى تجعلنى نجمة فى ملفاتى وأسعد لحظاتى أن أرى اسمى يومياً مكتوباً فى مانشيت أو خبر انفراد فى الجريدة الورقية.

حتى جاء التحدى الأصعب.. الانتقال من الورقى إلى الإلكترونى، لن أنكر أننى كنت أظن امتلاكى من الخبرة ما يسمح لى بإدارة موقع بسهولة بالغة، ولكن اكتشفت أن أدواتى ليست بيدى فقط.

كان أول درس تعلمته فى موقع «الوطن» أن «النحلة لا تستطيع أن تجنى العسل، فالأمر يلزمه خلية»، خلية النحل اليومية على مدار 24 ساعة عمل نسابق الوقت والخبر نزهد فى النوم.. «الكراود تانجل والأنالتكس» أصبح جزءاً من شخصيتنا.

أَسرنى «الإلكترونى» بلعبته الجديدة.. أتابع المقال وأنتقل لمشاهدة الفيديو ثم الصور - ومنه للايف والتفاعلى على السوشيال ميديا للمتابعة.. أفكر كل لحظة فى كيفية الحفاظ على القارئ، كل شغفى هو معرفة مزاج القارئ وأهوائه.. أن تعمل فى «الإلكترونى» فأنت مجبر على أن تُطور نفسك كل يوم، وكل ساعة، الصحافة كما نعرفها تنتهى حرفياً، لا أقول الصحافة الورقية وحدها، بل أقول الصحافة الإلكترونية نفسها، والعصر الجديد لمهنة الصحافة هو عصر الخدمات المعلوماتية المتكاملة عبر تطبيقات الهواتف وليس صحافة الرأى والخبر كما هى الآن.. ورغم هذا نملك أحلاماً تطال عنق السماء.. أمام تحدٍّ جديد نظن أننا سنحسمه.. ليس غروراً لكنه ثقة العاشق.. وهذا هو الفيصل بين ممارس الصحافة وعاشقها.. وأظن أننى وكتيبة كبيرة من زملاء الرحلة فى «الوطن» من عشاقها الذين امتلكوا أسرارها وسنظل على عهدنا: «قوته فى ناسه».