هل تندلع الحرب الخامسة على غزة؟

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

قدر غزة الحروب، لا تكاد تنفض غبار الأنقاض عن كاهلها المثخن بالأوجاع، حتى تنقض عليها الصواريخ المنذرة بضربات موجعة على أهلها من جديد، هى السند والوتد، هى الوجع والحضن، رغم أحزانها الجسام، ورغم حصارها المؤلم وجوعها المذل، قاومت وصمدت أمام حروب أربع شرسة حولتها إلى أنقاض وكومة من النفايات المتراكمة على مر السنين، ينجو أهلها بعد كل حرب ليكملوا ما بدأوه فى رحلة البحث عن الأمن والاستقرار وكسرة الخبز التى باتت شحيحة، وسقف مثقوب يحمى سوءتهم فى برد الشتاء القارس، وإذا كان الحصار نصيبهم وقدرهم فى معركة المقاومة وصراع السياسة، فقدرهم أيضاً أن يحملوا أوجاع السنين الماضية منذ حطت اتفاقية أوسلو رحالها وأصبحت سيفاً مسلطاً على رقابهم لا فكاك منها ولا استسلام لها، فماذا هم فاعلون؟ ها هى الحرب الخامسة تلوح فى سماء غزة بعد الأحداث العاصفة التى شهدتها القدس المحتلة وأراضى الضفة الغربية، لقد شهد الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى توترات متلاحقة فى الأسابيع الأخيرة كان أحدثها شن الطيران الحربى الإسرائيلى غارات جوية فى وقت مبكر من فجر الثلاثاء الماضى على قطاع غزة، فى أعقاب إطلاق صاروخ من القطاع باتجاه إسرائيل.

وتزامنت تلك التطورات مع شهر رمضان الذى عادة ما يشهد اشتباكات وتوترات بين الجانبين. ولأول مرة منذ ثلاثة عقود تصادف شهر رمضان مع عيد الفصح اليهودى، وعيد القيامة لدى المسيحيين. وبالتزامن مع ذلك، توافد الآلاف من المصلين الفلسطينيين والإسرائيليين والأجانب على البلدة القديمة فى القدس، ما أدى إلى اشتعال فتيل الغضب وزيادة التوترات حول الأماكن المقدسة المتنازع عليها.

خلال شهر رمضان المبارك الذى هو سكينة وأمان للنفس والجسد، ومن قبله فى شهر مارس، نفذ الاحتلال الإسرائيلى حملة اعتقالات فى الضفة الغربية، وأعلن مصادرة أسلحة، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن قوات الأمن تتأهب لمواجهات محتملة خلال شهر رمضان. وبعد ثلاث هجمات قتل خلالها 11 إسرائيلياً وأربعة مقاومين، قررت الحكومة الإسرائيلية تشديد القيود على دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل، ولا سيما القادمين من الضفة الغربية خلال الشهر الكريم، وسط مخاوف من أن تؤدى هذه الخطوة إلى زيادة حدة التوترات، وبالذات فى المسجد الأقصى الذى لا يخضع للمساومة أو المهادنة، إسرائيل تعرف جيداً متى تضغط الزناد إذا ما أرادت تنفيذ عملية عسكرية استباقية على سكان الأرض المحتلة سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، ودائماً ما يكون عنوانها «القدس».

القدس والمسجد الأقصى هما الجرح الغائر فى قلوب الفلسطينيين ويجب أن يكون كذلك فى قلب الأمة العربية والإسلامية أيضاً، بنفس القدر والقيمة، القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية لا تخص الفلسطينيين فقط، وإنما تخص العرب والمسلمين جميعاً، فمن يقف خلف أبواب السجان الموصدة التى تصرخ ألماً لإنقاذها من كبوتها؟ حين لا يكون هناك من يغيث القدس وضواحيها مثل أحداث حى الشيخ جراح ومحاولة تهجير سكانها من قبل المستوطنين، أو الاعتداءات المتكررة على حرمة المسجد الأقصى، لا يجد سكان القدس والضفة الغربية سوى غزة للاستنجاد بها، يستدعونها بالهتاف الموجوع الممزوج بالقهر والألم «يا غزة يلّا مشان الله»، أى هلمى يا غزة المقاومة لنجدتنا! فهل تقف غزة مكتوفة الأيدى متفرجة؟ أم تهب لتلبى النداء؟!.

غزة الآن تقف على صفيح ساخن تنتظر شرارة البدء، رغم أنها لم تستفق بعد من حربها الأخيرة التى دمرت الأخضر واليابس، دك خلالها الاحتلال بقنابله الذكية أبراجها وبيوتها على رؤوس أصحابها، ولا يزال جرح الفقد مفتوحاً لم يلتئم بعد، أسر بأكملها شُطبت من السجل المدنى وآخرون فقدوا كل ما يملكون، وافترشوا أنقاض منازلهم لتحميهم من غدر المجهول، الذى باتوا يعرفونه جيداً، ففى كل مرة تشهد فيها القدس أحداثاً دامية، تهب غزة لنجدتها حتى وإن كان بأضعف الإيمان.

انطلاق مسيرة الأعلام التى ينظمها المستوطنون ويجوبون بها شوارع القدس القديمة وصولاً إلى الأقصى، هى بداية الحرب الاستفزازية لانطلاق الحرب النظامية، خاصة أن قوات الاحتلال رفعت يدها عن تأمينها، وهو ما يعنى اندلاع الاشتباكات بينهم وبين المقدسيين، وما يترتب عليه من سقوط شهداء وجرحى، وهو الأمر الذى سيفجر المواجهة، رغم كل محاولات التهدئة التى تقودها مصر حتى لا يتفاقم الوضع، ورغم ذلك فالتجارب السابقة مع إسرائيل لم تكبح جماحها فى وقف التصعيد أو العدوان على قطاع غزة، لتواصل مسيرة التدمير والتهجير لسكانها المعزولين عن العالم بفعلها، وبمساعدة المجتمع الدولى الذى يدعى المساندة والاستنكار والرفض، فما الذى ينتظر غزة فى الأيام القادمة؟.