القمص أرسانيوس والعزاء للوطن

نُحيِّى ونشارك الإمام الأكبر د.أحمد الطيب فى عزائه للبابا تواضروس فى مقتل القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء وماربولس بالإسكندرية، بل نعزى الوطن كله، وندين هذا العمل الإجرامى بكل قوة، ونعتبره نوعاً من البغى والظلم الذى لا يقره دين ولا ضمير، ونبرئ الإسلام والأديان من كل الجرائم، ونقرر ونكرر كل ما قلناه عبر سنوات طويلة:

أن كل الأنفس معصومة «نفس المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى والهندوسى ومن أى ملة أو عرق أو دين»، وذلك لقوله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»، فلم يقل القرآن «من قتل مسلماً»، أو «مؤمناً»، أو «كذا».

قتل الأنفس المعصومة من أعظم الكبائر والجرائم، ولذلك عدها القرآن تعادل قتل الناس جميعاً، لأنها أشبه بالمتوالية الهندسية «فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»، وحث على الأحياء وجعلها فلسفة كل الأديان والرسالات «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، ويزيد الأمر بشاعة مقتل واحد من رجال الدين المسالمين من أى دين، إذ إنهم فرغوا أنفسهم لدينهم وعبادتهم.

وقد دخلت جيوش المسلمين كل البلاد ولم تتعرض لراهب أو قسيس أو كنيسة، بل أحسنت هذه الكنائس وفادتهم، وأحسنوا إلى أهلها وأكرموا قسسها ورهبانها، ولعل الراهب المسيحى «بحيرى» كان أول من اكتشف نبوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وهو صغير ودعا عمه للحفاظ عليه، وشجرته موجودة فى الأردن حتى الآن.

وقتل القمص أرسانيوس من رجل مخبول مجنون يعد من أعمال البغى والظلم الذى لا يقره شرع ولا قانون، وهو نوع من الفساد فى الأرض وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وعلينا جميعاً أن نقف وقفة رجل واحد ضد البغى والظلم، وخاصة حينما يقع على المسالمين «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»، فأناط بجموع المسلمين ممثلةً فى أجهزتهم السيادية مثل الشرطة حماية كل مكان يتعبد فيه الناس من مساجد وكنائس وبيع ومعابد، مهما كان نوع العبادة فيها، لأن شريعة الإسلام أقرتهم على حرية عقائدهم وشرائعهم فيما بينهم وذلك من سماحة الإسلام وعدله، كما أن المواطنة تسوى بين جميع المواطنين.

وإنى لأرجو ألا يدخل البعض الإسلام -ذلك الدين العظيم- كرهاً فى هذه القضية، فهو لا ناقة له فيها ولا جمل، فلم يأمر يوماً بذلك، ولم يأمر بالإثم والعدوان، وأمر بالإحياء ودعا إليه، وأدخل امرأة النار فى هرة لأنها حبستها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، فالإسلام الذى أدخل امرأة مسلمة النار من أجل هرة، وأدخل امرأة بغياً مومساً الجنة من أجل كلب سقته لا يمكن أن يتعارض مع ذاته ونصوصه فيأمر بالقتل أو العدوان أو التعدى على الآخرين أو سفك الدماء المعصومة.

برجاء إخراج الإسلام من القضية، فهتلر وموسولينى كانا مسيحيين وتسببا فى قتل 60 مليون إنسان، ولم يقل أحد إن رسالة المسيح كانت سبباً فى جنونهما وعدوانهما، وروسيا وأوكرانيا كلتاهما مسيحية أرثوذكسية والدماء بينهما لا عد لها ولا حصر ولم يقل أحد إن السبب فى اعتناق قادتهما للمسيحية، ولكنه فى النفس نوازع بشرية إما خيرة أو شريرة، يستوى فيها جميع البشر والأديان تهذب هذه النوازع الشريرة.

فكما لم يدخل أحد من المسلمين المسيحية ورسالة المسيح السمحة فى كل أنهار الدماء التى أريقت من قبل من جراء الحملة الصليبية أو فى الحرب العالمية الأولى والثانية أو فى حرب روسيا وأوكرانيا أو فى احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان، فعلى الجميع ألا يقحموا الإسلام فى جريمة منكرة تمت بيد رجل سقيم القلب والضمير.

رفقاً بالأديان ولا لاستغلال الفرص للطعن فى الإسلام والأديان، لأن ذلك سيفتح أبواباً من الفتنة لا تغلق أبداً، سلام على صناع الخير وعاصمى الدماء وناشرى السلام.