«سعيد السعداء».. أقفال الأبواب الضخمة تحبس أسرار أول خانقاه صوفية فى مصر

«سعيد السعداء».. أقفال الأبواب الضخمة تحبس أسرار أول خانقاه صوفية فى مصر
شوارع الجمالية تبوح بالكثير من الأسرار والحكايات عن منطقة القاهرة الإسلامية، فالعصور المتعاقبة خلفت وراءها آثارها الباقية، التى تجوب حكايات الزمن بعيداً عن صخب الحياة، وبين جنبات شوارعها العتيقة يستوقفك مبنى أثرى قد يظن البعض أنه مجهول الهوية لأن أبوابه موصودة بأقفال حديدية وكأنها أُغلقت لحبس ما وراءها من أحداث وأسرار، وعندما تدقق النظر فى لافتة باهتة المعالم موجودة على الجدار تجد نفسك أمام خانقاه «سعيد السعداء» التى لم تعد تحمل نصيباً من اسمها بعدما طمس النسيان قيمتها التاريخية، لأنها أول خانقاه جمعت بين جدرانها الزاهدين فى الحياة.
أغلقت الخانقاه أبوابها منذ سنوات طويلة ولا أحد يمكنه دخولها، وربما كان ذلك سبباً فى عدم الوصول إليها سريعاً، لأنه من الصعوبة بمكان أن تجد من يدلك على طريقها، لكن بإمكانك الاعتماد على محل بقالة صغير يلاصقها يمتلكه أحمد عمار، وهو رجل أربعينى لا يعرف أى معلومات عن المكان الأثرى الذى يجاوره، وفاجأنا بالقول: «عمر ما حد سألنى عنها قبل كده».
منذ عامين افتتح الرجل الأربعينى محل البقالة، وخلال هذه المدة القصيرة لم يرَ الخانقاه مفتوحة للزوار، فهى من الآثار المغلقة منذ سنوات بعد تطويرها، وتابع: «اتطورت واتقفلت زى آثار كتير فى الجمالية مقفولة، وتفتقد الحراسة، فلا خفير أو حارس أمن يقف على أبوابها، لكن المكان لا يخلو من الجولات التفقدية من مسئولى وزارة الآثار، من وقت للتانى بييجوا يبصوا بصة ويمشوا على طول».
تستقر الخانقاه الأثرية فى مكانها منذ مئات السنين، ويتعاقب عليها الزمن، فالحياة المحيطة بالمكان الأثرى تبدلت ملامحها، ويقابلها حالياً إحدى ورش «تلميع النحاس» يجلس صاحبها، مجدى عبده، على كرسيه، ينفث دخان شيشته، ويراقب سير العمل بالورشة التى يمتلكها منذ سنوات طويلة.
يتذكر الرجل الستينى حين كان شاباً يافعاً يرتاد الخانقاه قديماً، يقول: «كانت مفتوحة زمان.. عشان كنا بنصلى جوه، ويوجد بداخلها ساحة كبيرة ومكان مخصص لصلاة النساء، والمكان حلو من جوه وكنت بحب أدخله».
لا يمتلك «مجدى» الكثير من الحكايات والذكريات مع الخانقاه، سوى الصلاة من وقت لآخر، لكنه يراها من المعالم المميزة لمنطقة الجمالية «معروفة فى المنطقة»، ويتذكرها كبار السن، ويأمل الرجل الستينى فى فتحها مرة أخرى: «نفسى تتفتح تانى.. سمعت إنهم هيفتحوها بس مش متأكد».
خانقاه «سعيد السعداء» لها قيمة تاريخية كبرى تميزت بها وتحدثت عنها الدكتورة إنجى أبوالخير، الباحثة التاريخية ودكتورة الأدب الفرنسى بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، قائلة إنها أول خانقاه فى مصر احتوت الصوفيين.
وشهدت الدار أحداثاً تاريخية مهمة قبل تحويلها إلى «خانقاه»، ففى العصر الفاطمى كانت تقابلها دار الوزارة التى اعتُبرت دار الحكم الأساسى وقت الشدة المستنصرية، وسكن بها بدر الدين الجمالى الذى نجح فى السيطرة على أزمات هذه الفترة.
وتابعت «إنجى» أن الدار شهدت إقامة الوزير العادل الصالح طلائع، وهو أول من ربط دار سعيد السعداء بدار الوزارة من خلال سرداب تحت الأرض يمكّنه من سهولة التنقل بعيداً عن أعين الناس، لكن ليس هناك شىء معلوم عن وجود السرداب حالياً.
وانتقلت «إنجى» للحديث عن فتح صلاح الدين الأيوبى لمصر، واختياره دار سعيد السعداء لتصبح أول خانقاه يقيم داخلها الصوفيون، كما أنه أتى بـ«صدر الدين بن محمد» الذى أقام بالخانقاه وأصبح شيخ الشيوخ، وزوجته هى من أرضعت ابن شقيق صلاح الدين الأيوبى، وهو الملك الكامل الذى حكم مصر فيما بعد.