«المولوية».. «ملتقى العشق الربانى وأحباء جلال الدين الرومى»

«المولوية».. «ملتقى العشق الربانى وأحباء جلال الدين الرومى»
- تكية المولوية
- مسرح الحب الإلهى
- الأشجار
- وزارة الآثار
- المولوية
- جمال معمارى
- جلال الدين الرومى
- الآثار
- تكية المولوية
- مسرح الحب الإلهى
- الأشجار
- وزارة الآثار
- المولوية
- جمال معمارى
- جلال الدين الرومى
- الآثار
مبنى شاهق قد تشعر معه للوهلة الأولى أنه لا يوحى بأهمية أو جمال معمارى، سوى مجاورته لقصر الأمير طاز على بُعد خطوات فى شارع السيوفية بحى الحلمية، لكنه المكان الذى تفوح منه رائحة العشق الإلهى، يتهافت عليه أحباء جلال الدين الرومى، يشدّون الرحال من كل مكان لزيارة «تكية المولوية»، مسرح الحب الإلهى، ورغم مرور ما يزيد على 4 قرون، ما زالت تحتفظ التكية بأسرارها وحكاياتها المنسية بين أهالى الحى الهادئ، الذين يذكرونها بـ«المستوصف».
بمجرد عبور بوابة الدخول سرعان ما تنجذب إلى «فاترينة» مزيّنة بالإعلانات وأخبار مرت على حدوثها سنوات طوال، تسير بخطوات هادئة تداعبك نسمات الهواء المتأرجح بين الأشجار المزروعة داخل التكية، حتى تصل إلى مجموعة من الغرف يجلس بداخلها بعض موظفى وزارة الآثار، تفصح عن رغبتك بزيارة التكية، وبمبلغ زهيد لا يتجاوز 10 جنيهات، ومثلها إذا رغبت فى التقاط الصور بالكاميرا الخاصة، تحصل على تذكرة «الزيارة الروحية».
تهبط درجات حجرية مع مسئول الزيارة، وتجد نفسك واقفاً أمام باب خشبى صغير، بافتتاحه تكشف لك قاعة «سماع خانة» عن عالم من السحر، فهنا أقام أتباع مولانا جلال الدين الرومى، مؤسس الطريقة المولوية، وصاحب الرقصة الصوفية، التى تناقلها أتباعه، لتحلق أرواحهم بين سحاب العشق الإلهى. تعتبر قاعة «سماع خانة» الجزء الأهم فى «تكية المولوية»، وتروى ما تبقى من تراث المولويين، وهى عبارة عن مسرح خشبى ضخم مرفوع على 12 عموداً خشبياً، تتوسطه لافتة كبيرة مدون عليها بخط مميز «يا حضرة مولانا»، وقبة مستديرة مزينة برسومات ذات دلالة ما بين زخارف نباتية وبيوت صغيرة وطيور محلقة وثمانية أبواب، ترمز إلى أبواب الجنة، هكذا يخبرك مسئول الزيارة.
تسرح بخيالك محاولاً رسم الصورة الحية فى قلوب أحباء جلال الدين الرومى، ليبدأ مسئول الزيارة شرحه، بداية من الدور الأول للمسرح الخشبى، الذى يتوسّطه محراب، حيث يستهل الدراويش مجلسهم بركعتين لله رفقة الشيخ، تتبعهما تلاوة آيات من القرآن، ثم قراءة أشعار جلال الدين الرومى، وعلى موسيقى الدف والناى والطبلة، يسبحون فى أداء الرقصة الشهيرة ويندمجون فى حلقات دائرية عكس دوران عقارب الساعة حتى بلوغ الصفاء الروحى.
من قاعة «سماع خانة»، حيث يصطحبك مسئول الزيارة إلى المزيد من العالم السحرى، فالمكان ما زال يبوح بأسراره، تهبط للطابق الأرضى للتكية، وترى الغرف التى آوت بين جدرانها أضرحة كبار المتصوفة والدراويش الذين عاشوا فى مصر قبل أكثر من 4 قرون. يستوقفك مسئول الزيارة أمام أبرز الأضرحة داخل التكية، فهنا يرقد جثمان محمد غالب درة، «طباخ المولوية» للوهلة الأولى تشعر بأنه الشخص المشرف على إعداد الطعام، لكن سرعان ما تتضح هويته، فهو المسئول عن قبول الدرويش بالتكية بعد مروره بعدد من الاختبارات.
«التكية» بداخلها فاترينة تضم كتاب «المثنوى» الذى يحتوى على 25 ألف بيت شعر
بصحبة مسئول الزيارة تستكمل الجولة، فالحكاية مستمرة وتنجذب عيناك لفاترينة حملت بداخلها كتاب المثنوى، الذى ألفه جلال الدين الرومى، وتحتفظ التكية بالنسخة المهداة من المركز الثقافى التركى ويضم داخله 25 ألف بيت شعر، وفى الجهة المقابلة فاترينة أخرى تحتفظ داخلها بالزى الصوفى الشهير، المكون من العباءة السوداء التى ترمز إلى ذنوب الإنسان، وعليها عباءة بيضاء، فى إشارة إلى الكفن، والطاقية ذات دلالة على شاهد القبر، ليعبر الصوفى بملابسه عن حرمانه من متاع الدنيا، حسب شرح مسئول الزيارة.
إلى جانب الأضرحة توجد بعض الغرف المتجاورة الصغيرة المطلة حول صحن، أصبح مهدّداً بخطر المياه الجوفية، وتفاجأ من مسئول الزيارة، بأن الحكاية بدأت من هنا، حيث بقايا مدرسة شمس الدين سنقر السعدى، الذى أنشأها كمدرسة لتعليم المذاهب الفقهية الأربعة، وخصّص جزءاً منها لاحتواء الأرامل والمطلقات واليتامى.
حكايات تكية المولوية قال عنها محمود نبيل، الباحث بالآثار الإسلامية وعضو اتحاد الأثريين المصريين، إن البداية جاءت على يد شمس الدين سنقر السعدى، وهو أمير لأحد سلاطين المماليك، أسس المدرسة عام 715 هجرياً، وتتكون من صحن وإيوان، وتتوسطها نافورة مياه.
وتابع «محمود» لـ«الوطن»: «المرحلة الثانية للمكان شهدت بناء قبة ضريحية لأحد الشيوخ وهو حسن صدقة، ويرجع إلى عصر المماليك، أما عن تحويل المكان الأثرى إلى تكية المولوية، فكان مع بداية العصر العثمانى ومجىء أتباع جلال الدين الرومى من مدينة قونية التركية، حيث منشؤهم، إلى مصر، واتخذوا من المكان مقراً لإقامتهم كأهل الذكر والدراويش».
وأوضح الباحث أنه تمت إضافة قاعة «سماع خانة» على يد أتباع جلال الدين الرومى، لتأدية الرقصة الشهيرة، وفكرتها التى تقوم على اللف عكس دوران الساعة، فى إشارة إلى تحرُّر أرواحهم من الزمن، قاصدين الحضرة الإلهية.
الأمر نفسه ينطبق على رسم أبواب الجنة الثمانية فى قبة القاعة، فى دلالة الآية القرآنية «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ»، وعلى قرابة قرنين من الزمان مكث أتباع الطريقة المولوية فى التكية التى حملت آثارهم حتى الآن، وفقاً لـ«محمود».
حكايات تكية المولوية امتدت إلى عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، حين تحولت للمركز الإيطالى للترميم على يد المرمم «فان فونى»، الذى ساعد فى ترميمها وجعلها مركزاً للندوات والدورات التدريبية المتعلقة بالفن الإسلامى، وظلت هكذا حتى أواخر عام 2010، لكنها عانت بعد ذلك من شبح الإهمال والنسيان.
تحويل تكية المولوية فى الفترة الأخيرة إلى مركز يشمل مستوصفاً، ربما هو الجزء الباقى فى ذاكرة الأهالى المجاورين، عمرو السيد، من مواليد شارع السيوفية، يفرّج عن نفسه بجلوسه مع صديقه داخل محل بيع الفاكهة الذى يمتلكه منذ 25 عاماً، ويبعد عن التكية بخطوات قليلة.
«عمرو»: كنا ندخل نقطف ثمار المانجو من أشجارها
ورغم المسافة القريبة التى تربط «عمرو» بالتكية، فإنه لا يتوق شوقاً لزيارتها، بعدما كانت واجهته المفضلة فى طفولته للعب مع أقرانه والقطف من ثمار أشجارها، وقال «كنت بادخلها وأنا طفل مع أصحابى ناخد من شجرة المانجا».
مرت 20 عاماً على آخر زيارة لـ«عمرو» للتكية. وتابع: «بعد كده اتعملت مستوصف لأهل الحى يكشفوا فيها، وكنت باروحها مع أمى»، أما ما يعرفه الرجل الأربعينى عن التكية فهو أنها مكان لإقامة الدراويش. وأضاف «كانت معمولة علشان الدراويش والغلابة ياكلوا ويعيشوا فيها.. دلوقتى بقى فيها موظفين الآثار».
«عطا»: «دلوقتى مابقاش حد يدخلها بس فيه شباب بييجوا يسألونى عن مكانها»
رواية عطا عبدالمعطى، كانت الأكثر تشويقاً، فهو المسن الذى تجاوز الستين من عمره، صاحب ورشة «أويمجى خشب»، افتتحها عام 1967، قضى بها شبابه وأبرز فيها موهبته الفنية فى الرسم على الخشب. يقضى «عبدالمعطى» يومه أمام ورشته الخالية من الشغل، يتكئ على عصا خشبية، فهى رفيقة أيامه، ويبدأ حديثه عن التكية بأنها دار للمسنين قديماً، آوت بداخلها العجزة، وقال: «فاكر أنها زمان دار الناس الكبيرة والغلابة كانوا عايشين فيها لغاية ما مشّوهم».
ومنذ قرابة 40 عاماً كانت آخر مرة وطئت فيها قدم الرجل الستينى أعتاب المولوية، محاولاً تذكر سبب الزيارة، وكان على الأرجح الأخذ من ثمار أشجارها، وأضاف: «دلوقتى خلاص مبقاش حد يدخلها من أهل المنطقة.. بس فيه شباب بييجوا يسألونى عن مكانها».
تكية «المولوية»
أنشأها الأمير شمس الدين سنقر السعدى سنة 721هـ/ 1321م
تقع بشارع السيوفية، عُرفت بقبة حسن صدقة الشرابيشى سنة 745هـ/ 1344م
واجهة التكية تجمع بين الطرازين المملوكى والعثمانى.
المدرسة عبارة عن صحن مكشوف لم يتبقّ منه سوى فسقية مياه (نافورة)، وعلى جانبيه بقايا غرف صغيرة للطلبة على الطراز العثمانى.
حلت الطريقة المولوية الصوفية بهذه المدرسة فى القرن السابع عشر الميلادى، ثم أقصيت عنها إلى مكان آخر.
أهم ما يميزها قبة السقف المقامة على اثنى عشر عموداً خشبياً ترمز إلى أئمة الشيعة.
حجرات التكية بها طابقان: الأرضى به ثمانى غرف بأسقف خشبية، والثانى ثمانى غرف مختلفة فى المساحات والأغراض.