كنت على الاتفاق مع نفسى أن أول مقال لى سيكون لأمى وأبى، إلا أننى قررت أن يكون للوطن الصغير جريدتى التى كان لها الحق الأول أن أكتب عنها، لأنها سمحت لرفع اسمى واسم عائلتى بها، ولكن اليوم وجدت أنها الفرصة الأفضل للكتابة عن روحى وقلبى معاً فى يوم عيد الأم، وعيد ميلاد أبى أيضاً، وكأنه لم يرد أن يكون اليوم لوالدتى فقط.
عندما يقرأ هذا الثنائى الفريد هذه الكلمات الأقل من البسيطة، بالتأكيد سيتفاجآن، ليس لأنه أمر غير طبيعى، ولكن لأنى لا أستطيع البوح بمشاعرى تجاههما أو التعبير عن مدى حبى وتقديرى لهما بسبب خجلى الذى يكون معهما فقط، لا أعلم لماذا، رغم أن ذلك عكس شخصيتى خارج البيت، لذلك قررت أن أكتب لهما قبل فوات الأوان.
سأبدأ بأبى اللواء أحمد العشماوى، أريدك أن تعلم أنك حصلت على قلبى بمفردك، لم أنسَ أى يوم كنت أتألم فيه منذ صغرى، وارتفاع درجة حرارتى وعيناك لا تغفل للاطمئنان على صحتى، حتى عند كبرى وتعرّضى لعدة أمراض، نفس اللهفة والخوف لم تتغير، أعلم جيداً أنك ستظل ترانى طفلتك التى لا تكبر، آخر العنقود السفلوقة، التى لا تنتهى طلباتها، وكذلك لا ترفض رغباتى، أنت السند والظهر والأمان وعمودى الفقرى، جعلتنى أعيش طفولة سوية، عندما أخطئ كنت أختفى فيك وليس منك، ولم أخف يوماً من ضربى مثلما كنت أرى من المحيطين من الجيران، وما يفعله آباؤهم فيهم، ولكن نظرة منك كانت تكفى بأن تجعلنى أرتجف من الخوف احتراماً وتقديراً لك، علمتنى الصرامة والصراحة وألا أخون أو أخذل الآخرين وألا أخسر أحداً، أعطيتنى الحرية والثقة، ودائماً مستمع جيد لى، ولم تقف يوماً عائقاً فى حياتى، بل كنت تأتى فى كل مرة أواجه فيها صعوبات وأبكى على وسادتى، تحتضنى بشدة وتقبّلنى وتخبرنى بأن كل شىء سيكون على ما يرام.
أما عن أمى «مى المسلمى»، فروحى التى أعيش بها، وكل حياتى، عينى التى أرى بها، الوحيدة التى تشعر بما بداخلى، تتألم بألمى، تبكى مع بكائى، تضحك مع ضحكتى، والدتى التى تحدثنى وأنا خارج المنزل فى نفس اللحظات التى أكون بها فى مأزق، وتسألنى ماذا حدث؟ وكأنها تقف معى، صديقتى المقرّبة التى تعلم جميع أسرارى، ولم تجعلنى أندم على ذلك، أنت يا ماما المضحية التى لا مثيل لها وحضنك جنة، فرحتها تتمثل فقط فى رؤيتى أنا وأشقائى دائماً، تخاف علينا من أقل شىء ولم تحرمنا من أى شىء، هى من تختار ملابسى، بل وتشتريها لى دون وجودى معها، هى من علمتنى القراءة والكتابة، ولم تنم الليالى من أجل راحتنا، نتشارك معاً مشاهدة أفلام الرعب ونصرخ ويستيقظ أبى من النوم، وكذلك المسلسلات المصرية والتركية والسورية، ونتنافس فى الطهى، ولكنى أعترف حالياً أن لا طعام بعد طعامك، يقول المحيطون بى «أنتِ نسخة من مامتك»، ليس المقصود بها الشكل، ولكن فى الأسلوب والتصرفات والطباع وأكون فخورة بذلك، وأبتسم بداخلى، أتمنى يا أمى أن أكون جزءاً منك، فأقسم بالله أنى لم أرَ أماً مثلك.
شكراً يا أبى وشكراً يا أمى، فلولاكما ما كنت أنا، الفضل لكما فى كل خطوة بحياتى، وكل سنة وأنتما بخير وبصحة وسعادة.