فلسطين.. والفرصة المرتقبة فى طيات المشكلة
كشفت العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا الوجه القبيح للمجتمع الدولى وهيئات الأمم المتحدة فى التفرقة الواضحة والفجّة بلا أدنى خجل بين الموقف من روسيا، والموقف من إسرائيل وممارساتها العدوانية الدائمة ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
هذه الازدواجية فجّرت الانتقادات مؤخراً داخل مؤسسات لم نكن نحلم كعرب أن تُثار القضية الفلسطينية داخلها بمثل هذا الوضوح والصراحة، ومن بينها مجلس العموم البريطانى، بعد أن شبّهت النائبة جولى إليوت ما يحدث فى أوكرانيا من غزو روسى بما تشهده الأراضى الفلسطينية بسبب الاحتلال الصهيونى، وطالبت فى كلمتها أمام المجلس بإعمال القانون الدولى فى كلتا الحالتين على السواء، وأن يتم العمل على إيجاد حل لوقف الصراع فى فلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرض حظر شامل على المستوطنات الصهيونية غير القانونية فى الضفة الغربية كما يجرى العمل الآن على وقف الحرب على أوكرانيا، وقالت النائبة البريطانية «إن العالم يعاقب روسيا لاحتلال أوكرانيا، لكن الفلسطينيين يسألون لماذا لا نفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لهم، ومن الضرورى الاعتراف بهم كدولة، وهو الحد الأدنى لحقوقهم».
ولم تكُن «جولى إليوت» وحدها التى انتقدت ازدواجية المعايير الدولية فى التعامل مع القضية الفلسطينية، فهناك أيضاً النائب الأيرلندى «ريتشارد بويد»، الذى انتشر مقطع فيديو مصوَر له مؤخراً انتقد خلاله ازدواجية المعايير التى يتعامل بها المجتمع الدولى وهيئات الأمم المتحدة فى فرض العقوبات على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى غضون خمسة أيام فقط، فيما لم يتم فرض أى عقوبات على إسرائيل التى تمارس انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين، وقال «بويد» إن «المجتمع الدولى يتعامل مع الفلسطينيين كعرق أدنى شأناً، ولاحظت أن قادة العالم استخدموا لغة قوية وصحيحة عندما وصفوا أفعال فلاديمير بوتين، ولكن هؤلاء القادة لم يستخدموا اللغة ذاتها وكانوا حذرين فى وصف الجرائم بحق الإنسانية التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتم توثيقها من مجلس حقوق الإنسان»، وقال أيضاً «إسرائيل مارست الاضطهاد الوحشى واللاإنسانى ضد سكان غزة أثناء قتالها العسكرى الأخير، وخلال التطبيق المنهجى لقواعد الفصل العنصرى فى الضفة الغربية، وحينها لم يتجرّأ قائد على وصف ذلك بالإرهاب، ولم تفرض هيئات الأمم المتحدة ولا زعماء العالم أى عقوبات على إسرائيل». وفى إدانة واضحة للمجتمع الدولى، قال «بويد»: «خلال خمسة أيام فقط فرض العالم عقوبات كثيرة على الرئيس الروسى، لكن بعد 70 عاماً من قمع الفلسطينيين، لم يقُم القادة بالإجراءات ذاتها ضد إسرائيل، بحجة أنه من غير المفيد فرض عقوبات على تل أبيب».
ومنذ بدء الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 310 قرارات تعالج الخلاف بين الطرفين، وبعضها يدين إسرائيل ويطالبها بضرورة الانسحاب من الأراضى الفلسطينية المحتلة، وأصدر مجلس الأمن 131 قراراً تعالج بشكل مباشر ذلك الصراع، ولم يطبّق على الأرض أىٌّ منها.
المؤكد أن العالم يشهد اليوم تحولاً مهماً وكبيراً، وأن منطقة الشرق الأوسط لن تكون بمنأى عن هذا التحول، وتتّجه معظم التوقعات إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد اللاعب الوحيد على الساحة الدولية، ولن تكون هى المتحكم الأوحد فى العالم بعد أن لاح فى الأفق ظهور أقطاب أخرى تلعب على الساحة الدولية إيذاناً بميلاد نظام دولى جديد يقلب كل الموازين، وربما نجد الفرصة لحل القضية الفلسطينية، وهى إن جاءت -تلك الفرصة- ولم نستعد جيداً لها منذ الآن، وفقاً لمجريات ما يشهده العالم الآن، سننتظر زمناً لا يعلم مداه إلا الله، حتى نستطيع التفكير -مجرد التفكير- فى حل قضية العرب المركزية.
يوماً ما قال نيلسون مانديلا: «متى فكرنا ملياً، نجد أن فرص النجاح تختبئ فى طيّات المشكلات».