أسئلة مشروعة عن أخلاقيات وضوابط البحث العلمي

لطفى سالمان

لطفى سالمان

كاتب صحفي

(1)

البحث العلمى والتجارب السريرية مشروعة لكل باحث وبتمويل من أى جهة، بما يتوافق وصحيح القانون، لكن ذلك لا ينفى السؤال أو يحرمنا منه أو من متابعة ومراقبة الإجراءات التى اتبعت فى تجربة سريرية، بموافقة وزارة الصحة، حول مدى فاعلية عقار «السوفالدى» ومأمونيته فى علاج مرضى «كورونا»، والتى أظهر تفاصيلها بحث بعنوان «فاعلية عقارات سوفوسبوفير وداكلاتاسفير أو رافيداسفير ومأمونيتها فى علاج مرضى كورونا»، المنشور بتاريخ 11 أغسطس 2021 فى مجلة Journal of Medical Virology.

وقبل أن أطرح أسئلتى المشروعة، أود أن أؤكد أمرين؛ أولهما: أننى لا أتهم أحداً أو أشكك فى ذمته أو ضميره المهنى والأخلاقى، إلا أننى أسأل كصحفى يريد لنفسه وللجمهور معرفة الحقيقة.

ثانياً: هذه الأسئلة ليس الغرض منها إحباط نشاطات البحث العلمى أو تثبيط همة القائمين عليه، إذ إن تقدم أى أمة مرهون بمدى تقدمها البحثى.أما عن سؤالى الأول فهو: هل يتيح القانون لمسئول حكومى، وهو فى منصبه، وبموافقة الجهة التى يعمل بها، المشاركة فى تجربة سريرية بتمويل من شركة دواء خاصة حول فاعلية عقار تنتجه هذه الشركة لعلاج وباء بعينه أو أى مرض بشكل عام؟

بصورة أدق: هل أعطى القانون مسؤلاً فى وزارة الصحة، الحق فى المشاركة فى تجربة سريرية فى البحث المشار إليه بتمويل من شركة دواء خاصة، لتحقيق فرضية أن دواء «السوفالدى»، الذى تنتجه نفس الشركة الممولة للبحث، يمكن أن يعالج من وباء كورونا، مع الوضع فى الاعتبار أنه ليس منتجاً إلا لعلاج مرضى فيروس سى، كما أثبتت التجارب حتى الآن؟إذا كان ذلك مسموحاً به قانوناً، فلا مشكلة فى ذلك، لكن إن لم يكن ذلك مسموحاً به، فنتمنى من جهات التحقيقات والمسئولين عن إجازة التجارب السريرية فى مصر مراجعة هذه الحالة.

(2)

وقبل أن أطرح سؤالى الثانى، أود أن أؤكد أنه من حق أى شركة أن تمول أى تجربة بحثية تراها، وفقاً للضوابط التى حددها القانون، وهو أمر حدث خارج مصر؛ فعلى سبيل المثال مولت شركة فايزر تجارب بحثية كى تثبت مأمونية لقاحها ونجاعته، وكذلك فعلت أسترازينيكا، وغيرهما الكثير، لكن السؤال: هل كان من بين من تمول أبحاثهم هذه الشركات مسئولون حكوميون؟

(3)

تساؤلى الثالث: هل يحق لجهة حكومية إعطاء أحد العاملين بها موافقة لإجراء تجربة سريرية بتمويل من شركة دواء خاصة لديها بالتأكيد مصلحة فى نجاح التجربة؟

(4)

وينص قانون البحوث الإكلينيكية رقم 214 لسنة 2020، المعروف إعلامياً باسم قانون التجارب السريرية، على ضرورة الحصول على موافقة مستنيرة من المتطوعين قبل البدء فى التجربة، بعد إحاطتهم بطبيعتها البحثية ومخاطرها وأضرارها الجانبية المتوقعة، كما هو منصوص عليه فى البند الخامس من المادة 18 فى الفصل السابع من القانون.

التجربة البحثية التى نحن أمامها أجريت على 120 مريضاً موزعين على 4 مستشفيات عامة هى: مستشفى حميات شبين الكوم ومستشفى حميات منوف ومعهد الكبد القومى فى المنوفية ومستشفى حميات المحلة.

وسؤالى هنا: هل الباحثون المشاركون فى البحث أحاطوا المرضى الذين أجريت عليهم التجارب بطبيعة التجربة وحصلوا منهم على موافقات بالبصم أو الكتابة أو من ممثلهم القانونى، كما هو منصوص عليه فى البند الثانى من المادة 17 فى الفصل السابع من القانون؟

وهل تمتلك اللجان المؤسسية لمراجعة أخلاقيات البحوث الإكلينيكية فى الجهات الأربع، وكذلك المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الإكلينيكية، الموافقة المستنيرة من المتطوعين وفقاً للبند الرابع من المادة 8 فى الفصل الرابع من القانون؟

إذا كانت هذه الجهات تمتلك هذه الأوراق، فإننا نتمنى منها أن تعلنها للرأى العام إعلاءً للحقيقة، وبالطبع مع الحفاظ على خصوصية المرضى كما ينص القانون.

(5)

ويحظر القانون فى المادة 14 من الفصل السادس تحفيز المبحوث للاشتراك فى أى بحث طبى وذلك بمنحه مكافآت أو مزايا نقدية أو عينية.

وسؤالى هنا: هل اطمأنت اللجان المؤسسية، وكذلك المجلس الأعلى وهيئة الدواء المصرية، لموافقة المتطوعين دون الحصول على مقابل مادى أو عينى أو أى تحفيز وفقاً لنص القانون؟

(6)

ويلزم القانون فى البند التاسع من المادة 20 من الفصل الثامن راعى البحث الطبى (الجهة الممولة) بإبرام عقد تأمين للمبحوثين المشاركين فى البحث الطبى لدى إحدى شركات التأمين المعتمدة فى مصر بغرض مواجهة ما قد يصيب أياً منهم من أضرار قد تنجم عن المشاركة فى البحث، ويتعين أن يكون العقد المشار إليه فى هذا البند شاملاً مدة البحث الطبى ومدة متابعته، بحيث يسرى لمدة عام تالٍ للانتهاء من البحث الطبى، على أن تعتمد قيمة هذا التأمين من المجلس الأعلى.

وسؤالى هنا: هل هذا الشرط توافر للـ120 مبحوثاً المشاركين فى التجربة البحثية المشار إليها؟

(7)

وينص القانون فى البند الأول من المادة 18 فى الفصل السابع على ضرورة التزام الباحث بإجراء البحث الطبى فى الجهة البحثية والحضور والإشراف عليه بصفة منتظمة.

وسؤالى هنا: هل التزم صاحب البحث أو التجربة بنص القانون، خاصة أن «الوطن» لديها فيديو مسجل، صوتاً وصورة، لخفير العقار الذى تقع به عيادة صاحب البحث، يقول إنه حصل على أقراص (يرجح أنها «السوفالدى») للعلاج من «كورونا» قبل عام من تسجيل الفيديو، أى فى عام 2021 أو 2020، وهى الفترة نفسها التى كان يجرى فيها البحث؟

وأود أن أشرح لك عزيزى القارئ أن هناك فارقاً بين الموافقة على إجراء تجربة سريرية بدواء أو عقار معين على مجموعة معينة من البشر، وفقاً لاشتراطات محددة، وبين إجازة العمل بدواء التجربة كدواء عام لمرض معين.بشكل مبسط؛ هناك فارق بين إجراء تجربة بعقار «السوفالدى» على مرضى محددين لقياس نتيجة معينة، وبين السماح بـ«السوفالدى» لعلاج كل مرضى «كورونا».

والواقع أن صاحب البحث أجاز العلاج بـ«السوفالدى» للجميع، دون موافقة وزارة الصحة، وأثبت ذلك رواية زملاء صحفيين كتبوا على صفحاتهم على «فيس بوك» أنهم حصلوا على الأدوية المذكورة فى البحث وهم فى منازلهم.. فهل هذا يتماشى ونص القانون وموافقة اللجان المؤسسية وكذلك المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الإكلينيكية؟

(8)

ويشترط البند الثانى من المادة 16 فى الفصل السابع من القانون، أن يكون الباحث محمود السيرة، حسن السمعة، كى توافق له الجهات البحثية على إجراء أية تجارب.فهل هذا الشرط متحقق للباحث الرئيسى، خاصة أنه أُغلق له مركز طبى فى المنوفية فى 2016، وجد به معمل تحاليل طبية غير مرخص، وكذلك كميات كبيرة من الأدوية بعضها مصرح به من وزارة الصحة أو مستوردة وبعضها غير مصرح به من وزارة الصحة، وهى أدوية مهربة ومجهولة المصدر ولا توجد لها فواتير أو مستندات دالة على مصدرها وتعتبر مشغولة بغرض الاتجار، مخالفاً بذلك القانون رقم 153 لسنة 2004 بشأن تنظيم العمل داخل المنشآت الطبية الخاصة.

(9)

أما عن سؤالى قبل الأخير: فى البند الرابع من المادة 16 فى الفصل السابع من القانون، يُشترط ألا تتعارض مصلحة الباحث الشخصية فى إجراء البحث أو استكماله مع مصلحة أو سلامة أى من المبحوثين المشاركين.

كما يشترط البند الثانى من المادة 18 من الفصل السابع على تطبيق الممارسة الطبية الجيدة.

وسؤالى هنا: هل تأكدت الجهات المعنية بالمراجعة من عدم وجود مصلحة شخصية لدى الباحث؟ وهل تأكدت من الممارسة الطبية الجيدة التى تقتضى عدم منع دواء آخر عن المريض بخلاف دواء التجربة.. بمعنى أنها تأكدت من أن الباحث لم يمنع دواء كان يمكن أن يشفى المريض وأصر على إعطائه دواء التجربة لتحقيق نتيجة بحثه على المريض ما أدى لتفاقم حالته؟

(10)

أما عن سؤالى الأخير، فإنه متعلق بتساؤل عام.. هل يمكن أن تعطى الجهات المانحة لتراخيص التجارب السريرية الحق لباحث فى عمل بحث عن دواء ثبت بحث آخر فى دولة أخرى أن له أضراراً طبية على مرضى بعينهم؟

بشكل أوضح، هل يحق للجهات المانحة للموافقات البحثية إعطاء صاحب البحث الحق فى إجراء تجربة بحثية على مرضى «كورونا» لعلاجهم بواسطة «السوفالدى» فيما نُشر بحث يابانى فى أبريل 2020، أى قبل نشر البحث المشار إليه بعام، أظهر أن بعض مرضى الالتهاب الرئوى الذين حصلوا على «السوفالدى» حدث لهم تهتك رئوى وتوفى أحدهم؟

(11)

يمكن أن تكون الفرضيات والأسئلة المطروحة هنا غير مكتملة باعتبارى غير مختص فى هذا المجال، لكنها حتماً أسئلة مشروعة يحق لأى متابع أن يطرحها على الرأى العام ويجد لها إجابات وافية، لكن ما لا يمكن قبوله هو التوقف عن طرح الأسئلة والحصول على إجابات عنها.