«الوطن» تواصل نشر «كواليس أيام السادات وبيجن وكارتر فى كامب ديفيد»

كتب: عبدالعزيز الشرفى

«الوطن» تواصل نشر «كواليس أيام السادات وبيجن وكارتر فى كامب ديفيد»

«الوطن» تواصل نشر «كواليس أيام السادات وبيجن وكارتر فى كامب ديفيد»

البعض يقول إن أصل الصراع دينى، بينما يقول البعض الآخر إن أصله أيديولوجى لا يمت للعقيدة الدينية بصلة، ولكنه على أى حال صراع أُزهقت من أجله الأرواح وسالت الدماء دون نهاية، إلى أن خرج هؤلاء الرجال الثلاثة، كلٌ بدافعه الشخصى يبحث عن طريقة لنهاية هذا الصراع بشكله الدائر وقتها، سواء كانت نهاية تامة أو نهاية مؤقتة إلى أن يحين الوقت المناسب لاستكماله. كانت الصعوبة وقتها تتركز فى أمر واحد أساسى، هو: كيف يمكن أن يجتمع اثنان يتناقضان تماماً على مائدة واحدة؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن إجبار الطرف الإسرائيلى على قبول الاتفاق فى نهاية الأمر مع العلم أنه جاء فى الأساس بهدف واحد هو أن يقول أمام العالم إن إسرائيل حاولت.[FirstQuote] كان تمسك الرئيس الراحل أنور السادات بعملية السلام وإصراره على الوصول إليها بمثابة الخيط الذى تعلق فيه الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، فالرجل كان يبحث عن وسيلة يهرب بها من الانتقادات الداخلية.. هذا هو ما يرصده الكاتب الأمريكى الحائز على جائزة «بوليتزر» لورانس رايت، فى كتابه الذى صدر الشهر الماضى تحت عنوان «13 يوماً فى سبتمبر.. كارتر وبيجن والسادات فى كامب ديفيد»، الذى يرصد من خلاله وقائع 13 يوماً من المفاوضات، اعتماداً على أجزاء واسعة من مذكرات «كارتر» نفسه وعدد من المسئولين. وتواصل «الوطن» نشر تفاصيل الكتاب الأمريكى الجديد. كان تقديم الرئيس المصرى الراحل أنور السادات مسودة العرض المصرى للتوصل لاتفاق سلام، بمثابة بادرة الأمل التى تعلق بها الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، فالرجل رأى للمرة الأولى إمكانية التفاوض على مسألة المستوطنات، ولكن الأزمة بالنسبة إليه كانت فى سرية هذا العرض إلى درجة أن السادات لم يُعلم طاقم المفاوضات المصرى نفسه بها. ويقول مؤلف الكتاب الأمريكى، لورانس رايت: «بعد أن عاد الرئيس المصرى إلى مقصورته، كانت معنوياته مرتفعة ولاحظ هذا الأمر وزير خارجيته محمد كامل، ولأن الأخير كان متشائماً بشأن المفاوضات مع الإسرائيليين ويرفضها من الأساس، اقترح عليه السادات الخروج فى جولة للتعرف على المكان والتأقلم معه. وخلال تلك الجولة، وقف «السادات»، و«بيجن» وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ وصولهما إلى كامب ديفيد، ودار بينهما حوار قصير اقتصر على السؤال عن الحال والتأكيد أن كلاً منهما بخير». بعدها، طلب الرئيس الأمريكى من «بيجن» أن يحضر مبكراً بعض الشىء إلى اجتماع الساعة الثالثة عصراً، وحين وصل «كارتر» إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى بدا عليه التوتر والعصبية، وقال له إن السادات قدم إليه عرضاً سبق أن حذر كارتر من أن الإسرائيليين لا ينوون قبوله، وطلب منه ألا يؤثر هذا العرض على الاجتماع، ويضيف «رايت»: «بعدها وصل السادات إلى الاجتماع، وكان هدف كارتر هو التدخل بأقل قدر ممكن فى هذا الاجتماع، لأنه كان يأمل فى أن يبحث الاثنان عن طريقة يعرفان بها بعضهما بشكل أكبر ويتبادلان الثقة.[SecondImage] وبالفعل بدأ بيجن بالحديث، قائلاً: علينا أن نبدأ صفحة جديدة.. المفاوضات تتطلب الصبر، وهو ما دفع السادات إلى الرد قائلاً: هذا صحيح.. نحن فى حاجة إلى الوقت». بحسب «رايت»، فإن «السادات» كان يبحث عن الخطوط العريضة والإطار لاتفاق شامل وهو ما دفعه إلى أن يكون هادئاً على نحو غير معهود، قائلاً: «أعتقد أننا سنحتاج إلى 3 أشهر تقريباً من العمل على الاتفاق»، بعدها حانت اللحظة التى كان «كارتر» ينتظرها.. وضع السادات نظارته الطبية وبدأ فى قراءة المسودة التى وضعها فى 11 صفحة. وبدأ الرئيس المصرى فى سرد بنود المسودة المصرية على «بيجن»، ولمدة 90 دقيقة كاملة ظل السادات يقرأ بأريحية مطالبه بدولة فلسطينية وسيادة عربية على القدس واستعادة سيناء وإزالة المستوطنات وانسحاب إسرائيل إلى حدود 67. تحول «بيجن» إلى النظرات الصامتة، وهو ما دفع «كارتر» إلى الشعور بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى على وشك الانفجار، وفور أن أنهى «السادات» قراءة عرضه لاتفاق السلام، سادت لحظات من الصمت كسرها «كارتر» بمزحة قالها لـ«بيجن» بأن عليه أن يوفر العناء على الجميع من خلال التوقيع على الاتفاق كما هو. ولكن «بيجن» رد بالقول إنه «يقدر العرض المصرى وكيف عمل المصريون بجد على صياغة تلك المسودة، ولكن يجب أن يقرأها بصحبة مساعديه ومستشاريه بعناية كاملة»، ووافق الثلاثة على اللقاء من جديد فى صباح اليوم التالى. وخلال المناقشات الليلية مع مستشاريه، وصف «بيجن» المطلب المصرى بدفع تعويضات بأنه «وقاحة» تخطت حدود الدبلوماسية. صباح اليوم الثالث من المفاوضات كان حاسماً، ففى الاجتماع الذى عقد يوم 7 سبتمبر بين «كارتر» و«بيجن» ومستشاريهما، أبدى رئيس الوزراء غضباً حاداً تجاه المطالب المصرية التى عرضها «السادات» مساء اليوم الثانى، وبالفعل حاول الرئيس الأمريكى الأسبق تهدئة «بيجن» من خلال التأكيد على اتفاقه معه فى الرأى بأن «عرض السادات صعب جداً»، إضافة إلى دعوته الوفد الإسرائيلى إلى تقديم بعض التنازلات لتغيير المزاج العام للمفاوضات، مؤكداً أنه إذا لم يحدث هذا الأمر، فإن المفاوضات ستنتهى قريباً جداً. وبحسب الكاتب الأمريكى، فإن «بيجن» رفض الطلب الأمريكى وأصر على مجاراة العرض المصرى فقرة تلو الأخرى، وأصر على التعامل مع كل كلمة وجملة، كما لو أنه يبصق السم بعد أن تجرعه، وفجأة صاح «بيجن»: «الفلسطينيون؟ هذه إشارة غير مقبولة على الإطلاق.. اليهود أيضاً فلسطينيون، الأراضى المحتلة؟ غزة أيضاً كانت محتلة من قبل المصريين». على الرغم من محاولات «كارتر» إبداء انحيازه لـ«بيجن» حتى تستمر المفاوضات، فإن الرئيس الأمريكى الأسبق لم يستطع مجاراة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى مزاعمه تلك، وهو ما دفعه إلى الإشارة إلى أن مصر لم تطلب السيادة على قطاع غزة الذى كان تحت السيطرة الإسرائيلية أساساً ولم تطالب بأحقيتها فيها.[SecondQuote] وبينما كان «بيجن» يواصل تفنيده للعرض المصرى، أدرك «كارتر» كيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلى كان يقيم هذا العرض كطريقة وحجة لتجنب تناول كل ما ذكر فيه. إدراك «كارتر» جعله يتوجه إلى «بيجن» بالسؤال: «ماذا تريد حقاً لإسرائيل إذا وقع اتفاق السلام؟ كم عدد اللاجئين الفلسطينيين وهويتهم الذين سيسمح لهم بالعودة؟ يجب أن أعرف ما إذا كنت ستحتاج إلى مراقبة الحدود أم لا، وما المعدات العسكرية اللازمة لضمان أمنكم.. أكبر مصدر لقوتى هنا هو ثقتك بى، ولكننى لا أشعر أننى أحظى بثقتك». وقعت كلمات «كارتر» كالصاعقة على آذان الحاضرين، فهى تهدف فى الأساس إلى كسر حالة التوتر التى أبداها «بيجن» خلال تلك الساعات، وهو ما دفع عزرا وايزمان مستشار «بيجن» إلى الاستجابة سريعاً: «لم نكن لنكون هنا لولا ثقتنا بك»، فكان رد «كارتر» سريعاً هو الآخر: «أنت غريب معى كما هم العرب، حان وقت التوقف عن اللعب، الآن وقت وضع أوراقكم كلها على الطاولة، ألقِ التكتم جانباً وأخبرنى ماذا تريد فى الحقيقة». خرج الحوار بين الاثنين على التقاليد المعروفة والسيطرة، وفجأة اتهم «كارتر» رئيس الوزراء الإسرائيلى بالرغبة فى التمسك باحتلال الضفة الغربية، وأن عرضه بالحكم الذاتى فى الضفة الغربية مجرد «حيلة» للاحتفاظ بالأراضى المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. ولم تكن اتهامات «كارتر» لتمر دون رد من «بيجن»، الذى شعر بأن الرئيس الأمريكى يشكك فى نزاهته، وأكد أنه يرفض تماماً ما قاله الرئيس الأمريكى، ثم التفت من جديد إلى العرض المصرى وتابع: «هذا العرض سيجعل اليهود يبدون كأقلية فى وطنهم الخاص، هذا ما يريده السادات، هو يكافح للوصول إلى هلاك اليهود من خلال بنود عرضه». تمر دقائق من الصمت ثم يواصل «بيجن» محاولاته لدحض العرض المصرى قائلاً: «بقاء المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء بات مسألة حس قومى فى إسرائيل». مرت دقائق الصدام بين «كارتر»، و«بيجن» حتى دقت الساعة العاشرة والنصف، فخرج الاثنان إلى الحديقة يسيران حتى التقيا «السادات» معاً للذهاب إلى مكان انعقاد الاجتماع، وبعدها توجه الرئيس الأمريكى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى يسأله عما إذا كان فى وسعه أن يقدم تنازلات كاستجابة لزيارة الرئيس المصرى إلى إسرائيل، ورد بيجن بأن الشعب الإسرائيلى كافأ السادات بالفعل من خلال الاستقبال الدافئ له فى إسرائيل، مؤكداً أنه لا يجب أن ينسى أحد هذا الاستقبال، مشيراً إلى أنه قبل 4 سنوات تقريباً شن السادات هجومه فى يوم عيد الغفران اليهودى، وكان يعرف أن اليهود سيكونون فى معابدهم». حديث «بيجن» دفع «السادات» إلى التأكيد أن اختيار موعد الحرب كان «خداعاً استراتيجياً»، «ولكن الخداع خداع أياً كان شكله»، هكذا رد «بيجن» على كلمة «السادات». مر الوقت وبات واضحاً أن الرجال الثلاثة لا يسعون إلى فهم بعضهم، وأكد «بيجن» أنه على قناعة بأن العرض المصرى يمهد الطريق لبناء دولة فلسطينية، قائلاً: «لن نسمح بإنشاء قاعدة لقتلة ياسر عرفات فى إطار حدودنا، بالإضافة إلى جزء من القدس، لن يكون هناك اتفاق على أساس هذه المطالب»، فرد «السادات» قائلاً: «لا.. أنا قلت بالأمس إنه ليس هناك أى حاجة لتقسيم القدس».[ThirdImage] واصل «بيجن»: «أنت تخاطبنا وكأننا الأمة المهزومة»، ، أنت تطالبنا بدفع تعويضات عن الأضرار التى وقعت بسبب المدنيين المصريين، أنا أريدك أن تعرف أننى سأطالبكم أيضاً بدفع تعويضات عن الأضرار التى سببتموها لنا». كلمات «بيجن» الأخيرة كانت بمثابة الشرارة التى أطلقت العنان لغضب «السادات»، فصرخ فى وجه رئيس الوزراء الإسرائيلى قائلاً: «حتى تلك اللحظة التى نتحدث فيها، إسرائيل تواصل استخراج النفط من آبار سيناء، النفط الذى يفترض به أن يكون ملكاً لمصر»، ولكن «بيجن» واصل استفزازاته الصريحة للرئيس المصرى من خلال جملة: «أنت تتعامل معنا كأننا الأمة المهزومة»، ولكن «كارتر» تدخل سريعاً بالتأكيد أن أياً من الجانبين لا يمثل أمة مهزومة. وفى إطار الصدام بين الاثنين، سرد «السادات» بغضب كيف أثرت 4 حروب كاملة على الشعب المصرى، وحاول الرئيس الأمريكى مقاطعة «السادات»، ولكن الرئيس المصرى أدار ظهره له، وقال لـ«بيجن»: «اعتقدت أنه بعد مبادرتى ستكون هناك فترة من النوايا الطيبة.. نحن نعطيك السلام وأنت ترغب فى احتلال الأراضى»، إلا أن «بيجن» رد بالإشارة إلى أن إسرائيل تسعى فقط إلى حدود يمكن الدفاع عنها، فصرخ الرئيس المصرى غاضباً: «أنا أيضاً أرغب فى الدفاع عن حدود مصر». «رايت» أشار إلى أنه كلما كان «السادات» يغضب ويفقد أعصابه، كان يشير إلى «بيجن» بلقب «الوزير الأول» وليس «رئيس الوزراء»، وهو ما كان يغيظ «بيجن» ويدفعه إلى الغضب. بعدها، انحنى السادات إلى الأمام واتهم الزعيم الإسرائيلى بعدم الرغبة فى السلام على الإطلاق، ولزيادة توتر «بيجن»، قال «السادات» صراحة: «سيدى الوزير الأول.. أنت تريد الأرض». لم يعد يبدو أن الاثنين يدركان أن «كارتر» حاضر إلى جانبهما فتورد وجهاهما وأطلقا العنان لصوتيهما بشكل جعل «روزالين» زوجة «كارتر» التى كانت تجلس فى الغرفة المجاورة، تسمع صوتيهما بينما يصرخ كل منهما فى وجه الآخر. فجأة ضرب «السادات» بقوة على الطاولة أمامه وقال صراحة: «الأرض غير قابلة للتفاوض، لـ30 عاماً كاملة ظلوا يقولون إن إسرائيل تسعى إلى الأمن وإنهاء المقاطعة العربية والاعتراف الكامل بها، وها هى الفرصة الآن أمامهم على الطاولة.. إذا كان (بيجن) مستمر فى الإصرار على التمسك بالأراضى المحتلة، فإن هذا النقاش قد انتهى»، مضيفاً: «الأمن نعم.. ولكن الأرض لا، لا يمكن لأى إسرائيلى أن يبقى فى سيناء.. الأراضى المصرية يجب أن تكون نظيفة تماماً». مرت 3 ساعات من الجدل الفارغ بدون أى نتيجة بشكل أرهق الاثنين ودفعهما إلى طلب راحة لإبلاغ مستشاريهما على آخر المستجدات والتشاور معهم استعداداً للجولة المقبلة من المفاوضات بعد الظهر، وقبل أن يفترق الثلاثة، وضع «كارتر» قائمة بالمشاكل الأساسية التى لا تزال فى طريقها إلى البحث عن حل ينهيها.[ThirdQuote] قائمة «كارتر» تضمنت عدداً كبيراً من المسائل الخلافية بين «السادات» و«بيجين»، وعلى رأسها «سيناء»، وكتب «كارتر»: «إذا تم نزع السلاح فيها، فماذا يعنى هذا الأمر؟ هل يعنى شبه الجزيرة بأكملها؟ أم هل يمكن للمصريين أن ينشروا جنوداً فى المنطقة لحماية قناة السويس؟ وهل سيسمح للشرطة المصرية بالوجود فى سيناء للحفاظ على النظام أم لا؟». فيما يتعلق بالمستوطنات، كتب «كارتر»: «بيجن رفض تفكيك المستوطنات فى أى مكان، فى حين أن السادات يطالب بتفكيكها بأكملها، ليس فى سيناء فقط وإنما فى الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان أيضاً». تضمنت القائمة أيضاً مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة، وكتب «كارتر» تحتها إن هذا البند هو أكبر مخاوف «بيجن» الذى يرى فيها تهديداً كبيراً كونها ستكون «دولة إرهابيين»، والأهم من كل ذلك مسألة «معنى السلام»، حيث أكد الرئيس الأمريكى وقتها أن إنهاء حالة الحرب يعنى أنه يجب أن تكون هناك علاقات تجارية وحدود مفتوحة وتبادل للسفراء، ولكن «السادات» ألمح إلى أنه يفكر فى سحب عرضه بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين بسبب السلوك السيئ لـ«بيجن» خلال الجلسة الصباحية فى اليوم الثالث. ومن بين أكثر النقاط الخلافية التى أثارت اعتراض الرئيس المصرى، كانت مسألة المطارات الإسرائيلية فى سيناء والتى اقترح «بيجن» أن يتم تسليمها إلى الولايات المتحدة كمشرف عليها، بينما يستمر استخدام الإسرائيليين لها، ولكن «السادات» رفض تلك الفكرة قطعياً. وطرح بعدها «كارتر» فكرة أن يتم إشراك دول عربية أخرى وتأسيس اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتلك الدول، وبحسب «رايت»، فإن «السادات» و«بيجن» كان يؤيدان هذه الفكرة، لأنها ستقضى على الهاجس الأمنى المزمن بالنسبة لإسرائيل، ولكن «كارتر» تردد فى إعلان ارتباطه بأى من الأطراف كحليف، حيث إن هذا الأمر سيمنعه مستقبلاً من لعب دور الوسيط بين إسرائيل والدول العربية. فى الخامسة من مساء اليوم نفسه، عاد «السادات» و«بيجن» إلى مكتب الرئيس الأمريكى لعقد الجلسة المسائية، ولكن الرئيس المصرى الراحل كان لا يزال غاضباً بسبب ما حدث فى الجلسة الصباحية، ما دفعه إلى التأكيد أنه ليس لديه المزيد ليضيفه، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلى قرر أن يتلاعب بمواضع الخلاف بين الجانبين، وانطلق من مسألة أمن إسرائيل فى سيناء، وقرر استغلال الأحداث الماضية للإسقاط على ما يمكن أن يحدث مستقبلاً، فقال «بيجن»: «سيدى الرئيس.. يجب أن تذكر أن الملك فاروق والرئيس جمال عبدالناصر وأنت نفسك، جميعكم هاجمتم إسرائيل من داخل سيناء، والمستوطنات هناك تخدم هدفاً حيوياً بالنسبة إلى إسرائيل». جاء رد «السادات» حاسماً: «أبداً.. إذا كنت لا توافق على إجلاء المستوطنين، فإنه لن يكون هناك سلام بيننا»، فرد «بيجن» مصراً: «لن نوافق على تفكيك المستوطنات هناك.. المعارضة فى إسرائيل لن توافق على هذا أيضاً»، وقال «السادات» إن الشعب المصرى يميل بطبعه إلى السلام، ولكنه لن يقبل أبداً أن يكون هناك أى شىء ينتهك سيادته على أرضه، مؤكداً أن أى مستوطنة إسرائيلية تبقى على أرض سيناء ستكون إهانة مباشرة لمصر. قرر «بيجن» تجاهل حديث «السادات» عن حلمه، وقال: «هناك ألفا إسرائيلى فقط فى 13 مستوطنة فى سيناء، فلماذا لا يقنع الرئيس المصرى شعبه بقبولهم كمقيمين بشكل دائم لا يفرضون أى تهديد عسكرى بالنسبة لمصر ولا يخرقون سيادتها؟». وقتها كان «السادات» استشاط غضباً ونال كفايته، ووقف بشكل مفاجئ، ونظر إلى «كارتر»: «لم يعد هناك سبب لاستكمال الحديث»، لم يكن لدى «كارتر» وقتها سوى التحذير من أن نهاية المفاوضات دون اتفاق قد تعنى اندلاع حرب عالمية، مؤكداً أنه لا يصدق أن الإسرائيليين يفضلون الاحتفاظ ببعض المستوطنات فى سيناء على السلام مع مصر. وصلت الأمور إلى طريق مسدود، وهمَّ «السادات» و«بيجن» بالخروج من مكتب «كارتر»، إلا أن الأخير اعترض طريقهما وتوسل إليهما لمنح الأمور يوماً واحداً إضافياً لعله يمكن خلاله الوصول إلى تسوية، وبالفعل وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى، ما دفع «السادات» إلى الإيماء برأسه بالموافقة. ولأن الأوضاع وصلت إلى طريق مسدود، حاول «كارتر» وزوجته كسر الجليد بين الجانبين المصرى والإسرائيلى، فجهزا حفلاً كبيراً فى مساء اليوم الثالث، واقتربت «روزالين» من الرئيس المصرى وجلست إلى جانبه، وقال «السادات»: «أعطيته أشياء كثيرة ولكن هذا الرجل يتصرف وكأننى لم أقدم أى شىء.. تخليت عن الماضى تماماً فى سبيل بداية جديدة.. ولكن هذا الرجل لا يرضى التخلى عن الماضى». حاولت قرينة الرئيس الأمريكى التخفيف عنه بتذكيره بأن العالم بأكمله أعجب بشجاعته ويأمل فى أن تحقق «كامب ديفيد» أى تطور، فرد «السادات» مؤكداً أنه على استعداد لفعل أى شىء لجلب السلام بين الدولتين، ولكنه يشعر بأنه لا فائدة من ذلك. واصل «كارتر» جهوده لإثناء الجانبين عن الرحيل وإعطاء المفاوضات فرصة جديدة، وأكد أن موقف الولايات المتحدة ثابت من المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء، وهى أنها مستوطنات «غير شرعية» ويجب إزالتها على الفور. «السادات» رد قائلاً: «صديقى العزيز جيمى.. خضنا بالفعل 3 جلسات طويلة.. لا يمكننى التنازل عن الأراضى المحتلة لإسرائيل، وإذا كانت السيادة تعنى أى شىء بالنسبة للمصريين، فإنها تعنى أنه على الإسرائيليين مغادرة مناطقنا.. هذا الرجل بيجن لا يقول أى شىء لم يقله قبل زيارتى إلى إسرائيل». حاول الرئيس الأمريكى الدفاع عن «بيجن»، وقال إنه رجل صعب ولكنه صادق، مشيراً إلى أن موقف «بيجن» من المستوطنات الإسرائيلية يعتمد على أن الحروب التى قامت ضد إسرائيل خرجت جميعاً من سيناء، ولكن رد فعل الرئيس المصرى كان حاسماً: «أنا من قمت بمبادرة السلام.. إذا كان بيجن يرغب فى السلام بحق، كنا لنحظى به الآن.. بيجن لا يريد أن يكون مرناً فيما يتعلق بسيناء، كما أننى ملزم بإيجاد حل لمسألة الضفة الغربية وقطاع غزة». محاولات «كارتر» لم تتوقف عند الدفاع عن «بيجن» ومحاولة إثبات أنه يسعى إلى السلام هو الآخر، فقرر أن يأتى بأمثلة عديدة على إمكانية التوصل لاتفاق عام شامل يمكن لكل منهما أن يدعى أنه المنتصر من خلاله، وقدم «كارتر» مثالاً على ذلك بالإشارة إلى قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذى نص على انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة بعد يونيو 1967، فالصياغة الأصلية كانت تتضمن «انسحاب إسرائيل من كافة الأراضى التى احتلتها»، بينما تم تعديلها بعد ذلك لتصبح: «انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها»، وبهذا الشكل يمكن للفلسطينيين القول بأن القرار يلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل، ويمكن إسرائيل فى الوقت ذاته من القول بأنها وافقت على الانسحاب من «بعض» المناطق، وعلى هذا الأساس يواصل الجانبان الادعاءات بينما لا يتم تطبيق أى من الاثنين على أرض الواقع. بعدها أوضح «كارتر» صراحة لـ«السادات» أن «الجمود فى مفاوضات (كامب ديفيد) سيوفر الفرصة للعناصر الأكثر تشدداً وراديكالية للسيطرة على الشرق الأوسط»، مضيفاً: «نحن ببساطة يجب أن نعثر على صيغة يمكن أن تقبلها مصر وإسرائيل معاً.. إذا أعطيتنى الفرصة، فإننى لا أنوى الفشل». لكن مع نهاية اليوم الثالث، كان لأعضاء وفد «السادات» رأى آخر، فوزير الخارجية محمد كامل، على سبيل المثال، وقف يتحدث إلى بطرس بطرس غالى فى هذا المساء، متسائلاً عن النقطة التى وصلت إليها الأمور، مضيفاً: «ها نحن هنا يأتى الرئيس الأمريكى يعرض فكرة تحالف مصرى إسرائيلى أمريكى، بينما يجلس السادات صامتاً دون أن ينطق بكلمة.. ماذا يجول فى خاطره؟».