المفتي: للمؤسسات الدينية دور في بناء الوعي والحفاظ على البيئة

المفتي: للمؤسسات الدينية دور في بناء الوعي والحفاظ على البيئة
- جامعة الأزهر
- مؤتمر جامعة الأزهر
- تغير المناخ
- مفتي الجمهورية
- جامعة الأزهر
- مؤتمر جامعة الأزهر
- تغير المناخ
- مفتي الجمهورية
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن دين الإسلام الحنيف دين شامل لأمور الدنيا والآخرة، وقد جاءت تعاليم الإسلام وأوامره بالإحسان إلى كل شيء ليشمل ذلك الإحسان الإنسان وما يحيط به من بيئة خلقها الله تعالى مسخرة لمنافع الإنسان وميسرة لتحقيق غاية وجوده فيها من عبادة الله تعالى وتزكية النفس وإعمار الأرض.
خلق الله البيئة على أحسن ما يكون
وخلق الله هذه البيئة على أحسن ما يكون من النظام، وعلى أتم ما يكون من الإتقان؛ لكي تكون صالحة لاستيعاب الجنس البشري، قال الله تعالى في القرآن الكريم: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» [الحج : 65] وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» [الجاثية : 45]".
وأضاف أنه لما كانت البيئة بما فيها من ثروات وخيرات منحة إلهية وهبة ربانية، يشترك فيها جميع الناس؛ فقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها والاعتناء بها وعدم الاعتداء عليها بأي تصرف من شأنه أن يعطل منفعتها أو يذهب وظيفتها للأجيال الحالية وللأجيال المقبلة، فمن حق الأجيال المقبلة علينا أن نتعامل مع البيئة باعتبارها أمانة وإرثا مشتركا، نعمل جميعا من أجل تنميته والحفاظ عليه، ولا يكون تعاملنا معه بمفهوم الانتفاع والاستهلاك من أجل المصلحة الشخصية فقط، فالمنظور الشامل الذي ينطلق منه المسلم وهو يتعامل مع البيئة هو مفهوم أن إعمار الكون عبادة لله تعالى وغاية سامية من غايات وجوده في هذا الكون، قال الله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب» [هود: 61].
مكونات البيئة يستفيد بها الإنسان
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في فاعليات مؤتمر جامعة الأزهر الدولي الثالث للبيئة والتنمية المستدامة، اليوم السبت، الذي يقام تحت عنوان: «تغير المناخ.. التحديات والمواجهة» برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومشاركة خبراء من جميع أنحاء العالم.
وأشار فضيلة المفتي إلى أنه من الأمثلة الواضحة على ذلك المعنى -وهو ضرورة المحافظة على البيئة- هذا التوجيه النبوي الشريف في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه». فإن أي باحث منصف عالم بمقاصد الشريعة وأسرارها وعللها، يجد أن الحديث الشريف وإن كان واردا في جزئية خاصة، وهي النهي عن تلويث الماء وتفويت منفعته على نفسه وعلى غيره، فإنه يصلح أن يستنبط منه أيضا نفس المعنى في النهي عن تلويث أي مكون من مكونات البيئة التي ينتفع بها الإنسان، مثل الهواء والأرض والثروة الحيوانية أو السمكية أو غير ذلك من الموارد البيئية، التي تمثل قوام الثروات الطبيعية والاقتصادية لشعوب المعمورة، على تفاوت وتباين وتنوع أراده الله تعالى لحكمة بالغة؛ وهي تعدد أوجه التبادل والتعاون بين الدول والشعوب.
أبو بكر الصديق أوصى بالحفاظ على البيئة
وقد أوصى الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه المجاهدين بضرورة الحفاظ على البيئة حتى في مقام الجهاد في سبيل الله، فرسالة إعمار الأرض ينبغي أن تكون حاضرة في وجدان المسلم حتى في مقام الجهاد في سبيل الله تعالى. روى البيهقي في السنن عن أبي بكر رضي الله عنه في وصيته: «ولا تخربوا عمرانا، ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع، ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه». هكذا يتعامل المسلم مع البيئة بشكل حضاري حتى في تلك الظروف العصيبة.
وتابع مفتي الجمهورية،
أنه لا شك أن الخروج عن هذا النهج الإلهي في التعامل مع البيئة قد نتج عنه سوء استعمال لمكونات البيئة، وأصبح تفاعل البشر مع مفرداتها بطريقة سلبية مع تزايد الأنشطة البشرية المؤثرة على البيئة يؤثر تأثيرا سلبيا سيئا قد ساهم بشكل كبير في تغير المناخ بشكل منذر بالخطر، وإن كانت هناك أيضا أسباب طبيعية قد ساهمت في هذا التغير وما نتج عنه من أخطار تضر بالبيئة، لكن يظل النشاط البشري هو صاحب النصيب الأوفر من أسباب تغير المناخ على مستوى العالم، ومن ثم فإن العالم كله يواجه هذه التحديات الكبيرة التي تهدد مستقبل الشعوب وتربك الخطط التنموية والاقتصادية للحكومات والدول.
التحديات الخطرة تشطرت تعاوننا جميعا
وأوضح مفتي الجمهورية أن هذه التحديات الخطيرة تستلزم منا أن نتعاون جميعا من أجل الحد من الأضرار البالغة التي تهددنا جميعا. وإن عقد هذا المؤتمر العلمي الدولي الثالث للبيئة والتنمية المستدامة، بمشاركة العديد من الوزارات والسفارات والجهات المعنية الدولية والمحلية، ليعد خطوة هامة من أجل تضافر الجهود بين دول العالم جميعا لوضع رؤية شاملة للمواجهة الإيجابية والخروج من تلك الأزمة حتى لا تتأثر هذه الأجيال والأجيال القادمة بالعواقب الوخيمة الناتجة عن التغير المناخي المحتمل.
وإن المؤسسات الدينية في العالم كله عليها مسؤولية كبيرة من أجل إعادة بناء الوعي الصحيح فيما يتعلق بضرورة المحافظة على البيئة، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى التأثيرات السلبية للاستخدام السلبي للبيئة.
ولا شك أن ديننا الحنيف قد رسخ مجموعة من القيم والمبادئ العليا التي يجب ألا تكون محلا للخلاف، مثل النهي عن الفساد في الأرض في قوله تعالى: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين». وقد وضعت السنة المطهرة تلك القاعدة الشرعية الكلية المأخوذة نصا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
واختتم المفتي كلمته بقوله: «فالواجب على المؤسسات الدينية أن تعيد بناء الوعي البشري تجاه قضايا البيئة على النحو الصحيح الذي اتفقت عليه الكتب السماوية والقيم الإنسانية السامية. وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يكلل جهودنا في هذا المؤتمر بالتوفيق والنجاح من أجل تحقيق السلام والأمان لبني البشر جميعا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».